عندما هبّت ” عاصفة المسرح العراقي ” على صنعاء

عبد الرزّاق الربيعي | مسرحي  وشاعر وإعلامي 

أكثر من أمر يستحقّ الذكر، في نصّ ( آه أيّتها العاصفة)، الذي كتبته، وأخرجه الراحل كريم جثير في عروضه الأولى في صنعاء، وكان من أداء الفنان د. علي الشيباني، والفنانة اليمنية سحر الأصبحي، من بينه هو أوّل نص لي شقّ طريقه للعرض، فكانت له مكانة مميّزة في نفسي، الأمر الثاني: كان المخرج الراحل قد بدأ التواصل مع الفنانة الراحلة عواطف إبراهيم، خلال إقامتها في (دمشق)، فأعجبتها الشخصيّة التي رسمتها في نص يمزج بين الأسطورة، والواقع، معتمدا على الإسقاط، من خلال آليّة (مسرح داخل مسرح)، فالممثلة التي تؤدّي دور (ننكال) زوجة إله القمر، كما وردت في الأسطورة السومريّة، تحمل نايها، ملقية مراثيها على خرائب (أور) بعد هبوب العاصفة التي دمّرتها، بفعل مغامرات إله القمر، وكان غبار (عاصفة الصحراء) لم يزل يخنق الأجواء علينا،ويكدّر خواطرنا.

لذا أمسكت بـ(عاصفة) الأسطورة السومرية من تلابيبها، وكتبت نصّا يظهر بشاعة الحرب، وحين يلاحظ المخرج أن الممثلة التي تؤدّي دور (ننكال)، يستدعيها لبروفا قبل العرض،ومن خلال البروفا فتعرض مأساتها الشخصية التي جعلت أداءها مبالغا به، كونها فقدها ولدها الوحيد في الحرب، وتروي له مأساة لقائها الاخير به عندما استبطأته، فزارته في موقعه، وهناك حدثت المأساة، ولكنّ الراحلة عواطف إبراهيم التي أحبّت الشخصية، وقدمت من دمشق لأدائها على حسابها الشخصي، وبدون مقابل مادي، اضطرّت، خلال البروفات العودة من حيث أتت لأمر عائلي(علمتُ بعد سنوات أنّ الراحلين التقيا في تورنتو، وقدّما العرض)، لقد وضعتنا عودة الراحلة عواطف إبراهيم إلى دمشق، وانسحابها المفاجيء في ورطة، فبدأ المخرج كريم البحث عن ممثلة بديلة، ومن أين يأتي بممثّلة تؤدّي شخصيّة أمّ عراقيّة، ثكلى، بكل ما في هذه الشخصيّة من شجن؟، وكدنا ان نفقد الامل، وأخيرا استقرّ الرأي على اليمنية (سحر الأصبحي)، وبعد تدريبات مكثّفة لايصال الإحساس، كون الشخصيّة امرأة عراقيّة ثكلى، استانف الفريق التدريبات، على عجالة لأنّ مؤسسة العفيف كانت قد أدرجت العرض ضمن برنامجها السنوي، المطبوع، ولا مجال لتغيير الموعد، لذا قدحت فكرة برأس الراحل كريم بتقديم تمرين مسرحي، وهذا ماجرى، وقدّم بحضور نخبة كبيرة من الأدباء على رأسهم الشاعر الكبير سليمان العيسى، وكتبت د.آمنة النصيري مقالا عنه في جربدة” الميثاق” وكان اوّل مقال يكتب عن المسرحية.


ثالثا: ثم قدّمناه على مسرح مركز الدراسات والبحوث اليمنية، بحضور د.عبدالعزيز المقالح، ونخبة من الاكاديميين العرب واليمنيين، فقد حرصنا ان تكون الدعوات خاصة، دون علم السفارة، لما يتضمنه من إدانة للحروب العبثية، وزاد من ذلك أن الدكتور علي الشيباني، وهو يؤدي شخصية إله القمر ( سين)، الذي كان سببا بهبوب العاصفة على ( أور) وتدميرها، كان يقلد (الدكتاتور)، بشكل واضح، بدون طلب من المخرج الذي عبّر لي عن قلقه، خصوصا أن الشيباني كان ينوي زيارة بغداد، في الاجازة الصيفية، كما هو الحال مع من يعمل في سلك التعليم، وكنا جميعا منهم، وفي ٦/٦ من عام ١٩٩٦ قدّم العرض الأخير لمسرحيتنا” آه أيّتها العاصفة”في المركز الثقافي بصنعاء برعاية وزير الثقافة والسياحة الاستاذ يحيى العرشي.
رابعا: ساهم الكثير من الفنانين العراقيين المقيمين في صنعاء يومها في إنجاحه، فقد قام بتصميم الإضاءة، وتنفيذها د.جبار جودي، ومحمد هاشم، وتصميم الموسيقى الفنان منعم سعيد، وتنفيذ الديكور صباح خيرالله، وسلمان رحيم، وفي التشريفات: جبار حسين، وناصر حسن، ومحمد هاشم.


وكان الفنان رعد بركات يرافقنا في كلّ خطوة، والشاعر فضل خلف جبر، والفنان رسول الصغير، و الفنان صالح حسن فارس، والتشكيلي أحمد الشرع، والتشكيلي موفق أحمد، و د.سعد محمد التميمي، ود. صادق رحمة، ود.عوني صبري، د.جبار اللامي، وقام الفنان نجم جدوع بتصوير العرض كلّه، وسلّم الفيلم للراحل كريم، ولا أعرف مصيره!
وثبّت المخرج كريم جثير كلمة وداع لصنعاء، في دليل العرض هي بمثابة رسالة وداع للحياة، وبعده بأسابيع قليلة هاجر إلى كندا، ليودّع سنوات أمضاها في صنعاء، قدّم خلالها العديد من العروض، في المسرح، و” مسرح المقيل” كما أطلق عليه، من بينها مسرحية صلاح عبدالصبور” مسافر ليل”، ومسرحيتي ” كأسك ياسقراط” بعد أن تعثّر تقديمها ضمن فعاليات مهرجان علي إحمد باكثير بسبب تكلفة الإنتاج العالية التي طلب توفرها للعمل، وحين قوبل طلبه بالرفض، قرأها قراءة مسرحية في مجلس د.عبدالعزيز المقالح الأدبي بحضور نخبة من الأدباء، والأكاديميين العراقيين، والعرب، واليمنيين، ومن بينهم : الشاعر الكبير سليمان العيسى، والكاتب خالد الرويشان، والشاعر محمد عبدالسلام منصور، ود.شاكر خصباك، ود.عبدالرضا علي، ود.حاتم الصكر، والشاعر فضل خلف جبر، ود.عبد علي الجسماني، ود.علي جعفر العلاق، ود. سعيد الزبيدي، ود.إبراهيم الجرادي، د.سعد محمد التميمي، د.صادق رحمة،ومن الأدباء اليمنيين الكاتب علي المقري، ومحمد عبدالوهّاب الشيباني، وعلوان الجيلاني، والكاتب محمد غربي عمران، والفنان، والشاعر عبدالقادر صبري، والشاعر أحمد ضيف الله العواضي والناقد محمد اللوزي، ود.عبدالواسع الحميري، ومأمون الربيعي، و الكاتب عدنان ابوشادي، ونخبة أخرى لايتسع المجال لذكرها.
وبعد مغادرة كريم جثير اليمن إلى كندا ليستقر في تورنتو سنوات قدّم العرض هناك أكثر من مرّة في أماكن مختلفة، ففي 1997 أعاد تقديمها في تورنتو، وشارك من خلاله في المهرجان العالمي الثامن لمسرح المصطهدين الذي أقيم في تورنتو، وكان من أداء: سعيد كاكه يي، وسعيد الفضلي، وسهام الخالدي،كذلك قدّمه مخرجون خليجيون آخرون من بينهم الفنان سلطان خسرو، وشارك به في مهرجان المسرح الكويتي 2004، وأعيد تقديمه في الأردن في العام نفسه في مهرجان المسرح الاردني بعمان، وكذلك قدّمته كلية التربية بعبري في ملتقى كليات التربية بالرستاق 2006  أشرف على العرض  الدكتور غالب المطلبي، ونال الجائزة الثانية في الملتقى، وكذلك قدّمه المخرج أحمد الزدجالي ونال الجائزة الأولى كأفضل عرض متكامل عند عرضه في صحار، ولكن تبقى للعروض التي قدّمها في اليمن نكهتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى