الأردن والتقارب مع محور المقاومة
بقلم : عصري فياض
قيام العاهل الأردني بزيارة مقامات الصحابة في جنوب الأردن ليس بالأمر الاعتيادي أو حدث بدون معنى، خاصة إذا ما ربط مع ارسال برقية تهنئة من قبله للرئيس الايراني الجديد السيد إبراهيم رئيسي، وإذا ما تناغم ذلك مع التسريبات التي خرجت تقول إن القيادة الأردنية تدرس تفعيل السياحة الدينية “الشيعية” للأردن هذا ما أفادت به صحيفة رأي اليوم الالكترونية في عددها الصادر بتاريخ الثالث من تموز الجاري، لما في ذلك من عوائد اقتصادية للأردن بالذات كما أن وزارة الخارجية الأردنية تبحث أيضا إعادة سفيريها لكل من دمشق وطهران، وهي أيضا تعمل على تعزيز العلاقة مع رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، فما هي الفوئد التي ستجنيها الاردن من ذلك التقارب، ولماذا الان بالذات؟
دعونا نعود للعام 1997، بالذات لمؤتمر القمة الاسلامي الذي عقد في طهران، وشارك فيه الاردن لأول مرة بعد إمتناع عن المشاركة بأي فعاليات اقليمية أو اسلامية في العاصمة الايرانية بسبب وقوف الاردن إلى جانب العراق ابان الحرب العراقية الايرانية، كانت القيادة الاردنية قد وقعت اتفاقية وداري عربة ، ومضى على ذلك اكثر من عام، وكان هذا العام كفيلا بإختبار الوعود الاقتصادية لاتفاقية وادي عربة على الأردن والتي حملت خيبات أمل كبيرة منذ عامها الاول، الايرانيون وقتها استغلوا الحضور الاردني والتقوا بمسؤولين أردنيين منهم وزير البلاط الملكي الاردني عدنان ابو عودة الذي قال في لقاء مطول على شاشة التلفزيون الاردني بعيد القمة الاسلامية إن المسؤولين الايرانيين قد قدموا لنا برنامجا عمليا لتطوير العلاقات مبني على تعزيز الصناعة في الاردن عبر إقامة مصانع تجميع لبعض المنتجات الايرانية في الاردن مثل الحافلات والبرادات وبعض الصناعات الاخرى والتي كما قال ابو عدوة ستدر مبلغ 400 مليون دولار على الاقتصاد الأردني وتوفر مئة الف فرصة عمل، وكذلك طلب الايرانيين من الاردن وقتها السماح للسياحة الدينية الايرانية بدخول الاردن لزيارة مقامات كل من الصحابة جعفر بن ابي طالب وأبو ذر الغفاري وجابر الانصاري وعبد الله بن رواحة وبلال بن رباح ومقامات وأضرحة ثمانية انبياء في الاردن وهم: شعيب وهود ونوح وايوب وحريز وجاد ويوشع بن نون وهارون عليهم السلام جميعا، وأضاف الوزير ابو عودة أن هذه السياحة الدينية ستدخل على الخزينة الاردنية مبلغ المليار والنصف دولار، حيث ان السياحة الدينية الايرانية في سوريا لمقام واحد وهو مقام زينب بنت علي بن ابي طالب عليهما السلام يدخل للخزينة السورية وقتها ما يقارب المليار دولار، وانهى حديثه الوزير ابو عودة بالقول لكن القيادة الاردنية رفضت لدواعي أمنية خاصة،وان بعض المقامات المقدسة عند الشيعية تقع في منطقة الاغوار القريبة من الحدود الاردنية الفلسطينية المحتلة.
هذا الموقف كان قبل أكثر من ثلاثة وعشرون عاما،وهي فترة طويلة مليئة بالتغيرات والتقلبات والاهتزازات التي كان أبرزها حربيّ الخليج الاولى والثانية ومن بعدها سقوط نظام صدام حسين،وقدوم نظام جديد في العراق مبني على البرلمانية والانتخابات والديمقراطية، وامتلاك الحكم بيد الاغلبية الشيعية عبر أحزابها المتعددة، وكذلك اندلاع الحرب في سوريا والذي كانت الاردن فيه ضمن موقفين الاول محاربتها لداعش والنصره كونهما عدوين لدودين لها ضربا الداخل الاردني بعدة عمليات ارهابية، والثاني مساندة الاردن للتحالف الدولي وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب في مناهضة النظام السوري عبر ما عرف بغرفة “الموك” التي كان مقرها في الاردن، والتي كانت تشرف على الاحداث في جنوب سوريا، لكن كلا السببين وهما داعش والنصرة وثبات النظام في سوريا وانتصاره بالتعاون مع حلفاءه قدما للأردن نصف انتصار، كان عليه أن يتقرب من النظام السوري المنتصر أسوة بدول أخرى حاربت النظام ولما انتصر سارعت للتقرب منه مثل الامارات والسعودية حفظا لمصالحهما، لتحقق النصف الثاني، خاصة لما تعنيه سوريا الهادئة المستقرة للاردن على كافة النواحي الامنية والاقتصادية والاجتماعية،فهي جارتها الشمالية،كذلك اللقاء الثلاثي المصري الاردني العراقي الاخير بين زعماء الدول الثلاث وما تعنيه العراق الجارة الشرقية للاردن، وبما أن الاردن كغيره من دول العالم الثالث، يعاني من ازمات اقتصادية بفعل عدة عوامل منها تداعيات جائحة كورونا، فإن البحث عن موارد تضخ الاستثمارات في شرايين الاقتصاد الاردني واجب،وهذا ما تريد أن تتوجه إليه الاردن الآن، خاصة وأن محور المقاومة هذا يكبر ويتسع ويسجل انتصارات كل يوم وبات يحيط بالاردن من جبهتين، الشمال والشرق، وكان تأثيره ظاهرا في الاحداث الاخيرة التي تجسدت بمعركة سيف القدس، وردة فعل الشعب والعشائر والاحزاب الاردنية المتضامنة بالقول والفعل مع الشعب الفلسطيني والرافضة للعدوان عليه من قبل اسرائيل الدولة المحتلة والتي أصبحت علاقاتها مع الاردن في السنوات الاخيرة في فتور كبير على المستوى الرسمي وذلك بسبب موقف الاردن الرافض لصفقة القرن.
من هنا،يتضح،ان القيادة الاردنية التي تفكر اولا بمصلحة استقرار الوضع في الاردن وتحقيق نمو اقتصادي، وفتح صفحة جديدة مع سوريا والعراق وايران،ترى أن تفعيل العلاقات مه هذه المنظومة سيجعل من الاردن دولة صديقة لهذا المحور، والذي يؤثر في الواقع الأردني خاصة لجهة القضية ألفلسطينية وبالتالي تستطيع القيادة الاردنية من خلال هذه العلاقات جعل كل ما يجري في الاردن تحت السيطرة وبميزان متساوٍ مع طبيعة الحكم في الاردن والذي يعتبر نظاما قريب من ما يسمى منظومة دول الاعتدال العربي والتي تربطها علاقات متميزة مع الولايات المتحدة والغرب.