لبنى ياسين اسم له دلالته في الأجناس الأدبية والفنية

د. محمد البندوري | المغرب


يشكل منجز الكتابة لدى المبدعة لبنى ياسين أحد الدعامات الثقافية الأساسية في تشكيل الفكر الموسوعي للمبدعة، فهي المتعددة في الواحد، الباحثة والكاتبة والأديبة والروائية والقاصة والشاعرة والفنانة التشكيلية والصحفية، وتتبدى أعمالها الأدبية قوية اعتبارا لإشكالية نقل مجموعة كبيرة من المعاني إلى الكتابة المعاصرة بوصفها آليات فكرية تغذي مختلف التحولات الثقافية والفنية وغيرها، وهي تحولات كبرى تلقي بظلالها في هذا المنجز المتفرد؛ فقد تمكنت المبدعة لبنى ياسين من رفع من قيمة هذا المجال الخصب من خلال تجربتها العالمة وكتاباتها المبهرة باعتبارها عنصرا ثقافيا فاعلا في لب الثقافة وفي عمق المجتمع وغيرهما، ماتحة بعض إنتاجاتها من بعض ما تَشكل أمامها من إنتاج متنوع، بوعي تام بأهميته وكيانه. وبإدراكات قوية لما تكتسيه اللغة من أهمية وما تكتسيه استقلالية الرأي والإنتاج الأدبي من بيان، وهو ما خوّل للمبدعة لبنى أن تشيد صرحا معرفيا وأدبيا بأسلوب لغوي متين من خلال القصة التي كانت اللبنة الأولى ضمن محطاتها الأدبية لتُشيّئ أسلوبها الماتع سواء في القصة أو في الرواية والأدب بجمال المبنى وغزارة المعنى وحسن الشكل؛ إذ طعمت هذا المجال بأفكارها السديدة بما يتلاءم والثقافة العربية والعالمية، فأنتجت الدلالات القوية من خلال الواقع الإنساني بمقدرة عالية، فهي التي خبَرت الكتابات سواء العربية أو الغربية واطلعت على الكتابات المترجمة، فكان لها رأيها الخاص وموقفها المحترم وكتاباتها الرصينة، إذ عمقت مساحة الإبداع بقوة ممارساتية فأثْرت الحمولة الثقافية العربية والعالمية وأثّرت في الواقع الأدبي من جميع الجوانب، باعتبارها تُمثل مقومات الأمة لخدمة مآلات الرواية والقصة، والقصة القصيرة جدا، والشعر والكتابات الأدبية ومراميها، في نطاق ضرورة تفاعل هذه الأجناس من الأدب مع مجموعة من القضايا بطريقة فعالة لتوظيفها على شتى المستويات بكونها أداةً للتغيير والبناء والإبداع والتأصيل والتخييل، في ظل التحولات الفكرية والرغبة في التفاعل مع الواقع بحمولاته المتنوعة، لتعلن المبدعة ضمنيا تحديا للكتابة الأدبية في القصة والرواية ومختلف كتاباتها التي اتسمت بالتنوع والجودة والمفصلية التي تحدد أسلوبها حتى تُعرفَ من خلال كتاباتها، وهي استقلالية تبين تميز كتاباتها وتفردها، وتدل على عبقريتها لتكون سيدة الكلمة الهادفة، وسلطانة الكتابات الأدبية.
والأمر كذلك يطال الشعر، حيث تم النظر فيه من خلال قصائدها العذبة كشكل من أشكال المواجهة الثقافية والحضارية. فكان غالبا ما يؤثر في الواقع. ولاشك أن المتتبع لشعر لبنى ياسين يلمس مباشرة فطنة الشاعرة ووعيها بالمادة الشعرية في عمقها، ويلمس نبوغها الطافح الذي ينهمر بالإبداع الشعري في حلة رائقة من الإحساس. ففي ذلك الشعر ما يدهش القارئ من عذوبة في التعبير، وسلاسة وتوازن في الإيقاع، بعيدا عن كل تعقيد وعن المساحيق اللغوية. لأن الشاعرة تبني جسرا أخلاقيا لمواقف إنسانية تنبعث من شعورها، وهي سمة مميزة للبنية الداخلية لشعرها، تشكل رؤية عميقة ممتدة في العوالم الجديدة، بقوة في التعبير وجمال في التركيب، وبهاء في التصوير وحسن في الوزن والإيقاع، وتشكيل قدر وافر من الملاءمة والتناسب، ما يفسح المجال إلى الشاعرة لبنى بأن تتقصد الاستعارة التي تتجاوز ثقافة المسموع إلى بلاغة شعرية تروم الإيقاع في تفاعلية موازية. فجمالية شعرها تتقصد مختلف الصيغ الدلالية والمفردات المحورية ذات البعد الجمالي والبعد المؤثر في القارئ، لتعكس جماليتها الشعرية، في مسلك شعري جديد وفق مفهوم تقارب به الخطاب الشعري بالمادة الدلالية والجهاز المضاميني، بتوظيف عصري متجدد، آخذة بمهمة الشعر في حل العوارض، مما يمنح شعرها رونقا وجمالا شكلا ومضمونا. وذلك لأنها تحمل في شعرها مجموعة من التصورات المفتوحة، وتجسد عددا من الرؤى، ولعل القارئ لشعرها يكتشف فيه عوالم أخرى جديدة، ويكتشف من خلاله شاعرة من الطراز الرفيع وأديبة محنكة وكاتبة حصيفة ألمعية ولوذعية موسوعية ثقافة وعلما ومعرفة.
أما لبنى ياسين الفنانة التشكيلية؛ فإن أعمالها التشكيلية هي قيمة فنية بذاتها تطبعها الموازنة الفنية إثر تشكيل منجز فني يؤشر على قدراتها الهائلة لبسط أسلوب متفرد يمتح مقوماته الأساسية من بعض من التكعيب والتركيب والتحليل والتعبير والرمزية لتنسج مواد تشكيلية تتجاوز المعتاد، تتسم بتوظيف قوي للشكل والتركيبات الشكلية بشكل لا يؤثر على التوجه الفني، بل يعضد المنحى التحليلي في إحداثية تركيبية تَنتج عن عملية التحريك والتسكين، والتوظيف المتقن للألوان باعتناء كبير بالملامح وبالشكل العام الذي يقوم على الملمس الفني. كما أن التفاعلات التشكيلية الأساسية التي تشكل النبض الجمالي والقيمي في أعمال المبدعة لبنى ياسين تكشف عن نسق حسي منظم يضمر حزمة من المضامين الهادفة. ويبدو أن المبدعة تدرك عن وعي ما تنتجه عمليات التوظيف للأشكال وتقليص المساحة والألوان في النسيج الإبداعي المعاصر. وفي هذا النطاق تتبدى تشكيلاتها على نوع من التوازن التشكيلي والانسجام والتوليفات بين كل المفردات المكونة لأعمالها الفنية. وذلك بتطويع الأشكال التحليلية وفق طرائق تركيبية متعددة وتجميعات مختلفة لخدمة المحتوى الذي تشتغل عليه، وذلك لما تتيحه تلك الأشكال من بساطة هندسية وقدرة تعبيرية تحيط بالوظائف البنائية والدلالية. ومن هذا المنطلق تستطيع أن تثبت ما تحمله تقنياتها الهائلة من إبداع جديد، تجسد فيه تعبيرات متنوعة تنبني أساسا على أسلوبها الذي يترصد التركيز على الأشياء المرئية من الوجوه “الفيكيراتيف” شكلا فنيا وجماليا ثم تتقصد تحليلها بدقة وإعادة بنائها بطرائق متعددة لتبديها في أجزاء ثم تمثلها في صورة موحدة التكوين ورسم موضوع مترابط واضح المعالم، تمكن من الفهم الإيجابي وتوحي بمغازي ودلالات معينة. إنها ثقافة إبداعية استهدفت بها القارئ بنوع من السيولة الفنية التي تجعل من الشكل والكتل تكوينات هندسية بخصائص فنية وجمالية. واختيار هذا المسلك هو اختيار لعالم هندسي فني تفاعلي، اختيار لفضاء يتطلب التحكم بقوة في التدبير على كل المستويات، التصورية والثقافية، والبنائية والتعبيرية واللونية والعلاماتية والرمزية والدلالية والتقنية بنوع من التخصص والكفاءة التشكيلية والجدارة، والقدرة الكبيرة على التوظيف المحكم والمتقن. وهذا كله متوفر في الفنانة المقتدرة لبنى ياسين التي أرست قاعدة من التشكيلات التي تجسد اختياراتها الموفقة، التي لا تحدها أمكنة ولا أزمنة. فتجربتها المائزة عززت استخلاص العديد من العوالم التي ينبني عليها الفن التشكيلي المعاصر لتغذي المادة الفنية بموتيفات قوية وعلامات تنوعية مدهشة. وكل هذا ينم عن التقنيات العالية التي تتوفر عليها فضلا عن المهارات الفائقة، والقدرات التحكمية العالية، والطاقة الإبداعية التي تشكل خزانا للمعارف والمعلومات، فتبث الأفكار والآراء التي تروي الثقافة العربية والعالمية وهي غنية بالصور الذهنية والفكرية الخلاقة التي ترسي معنى دلاليا في عمق التشكيل المعاصر، وترسي به كذلك عالما من الموازنات بين المادة الفنية الجادة، وبين المقصديات الواقعية، التي تعبر عنها بتدفقات فيكيراتيفية متنوعة حتى تنزاح عن الشكل الواقعي إلى التعبير بما يفضي إلى اكتمال المادة الفنية في بُعدها الجمالي الذي يصنع أفقا تعبيريا وتصوريا موحدا يستهدف الحيثيات المضامينية. ويؤشر على العديد من المعاني والدلالات. فالفنانة لبنى تستطيع بمنجزاتها الكبيرة في التشكيل أن تشعل فتيل عدد هائل من مفردات لغتها الفنية على نحو كلي من الجمال، بسمات راقية تحدث نقلة نوعية في التوجه الفني عربيا ودوليا.
إن القراءة في أعمال المبدعة لبنى ياسين لا يسعها زمان ولا مكان لأنها فائقة القدرات، ومتعددة المواهب الإبداعية في الأجناس الأدبية وفي الشعر وفي الفن وفي مختلف الكتابات الأخرى، ما يقتضي دراسات وأبحاث في أعمالها. إنها مفخرة العالم العربي بامتياز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى