تحوُّل في علاقتنا مع العُنصريّة

سهيل كيوان | فلسطين

حاول النائب منصور عباس رئيس القائمة الموحّدة، أن يكون مرنًا إلى أقصى الحدود، كي يحقق بعض المكاسب التي يسميها مكاسب عمليّة، ومَنَحَه الإعلام الإسرائيلي والعربي وحتى العالمي شعورًا بأنه يقود تغييرًا تاريخيًا جوهريًا في علاقة السُّلطة بالجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل، وأطلقوا عليه الأمير الذي يقرِّر من يكون رئيس الحكومة.
صحيح أن هناك تغيّرات واضحة، ولكن الذي يحدث هو تغيير في علاقة قيادة عربية لقطاع واسع من أبناء شعبنا مع نظام عنصري، وهو تغيير لا يهدف إلى أهداف جماهير شعبنا نفسها في المحصِّلة، لا الآنية ولا الإستراتيجية، خصوصًا عندما يجري الحديث عن قانون عنصري لا لبس فيه مثل قانون لمّ الشمل.

هذه الرّغبة الجامحة في التأثير حدت بالنائبين عن الموحدة عباس وطه إلى التصويت إلى جانب قانون منع لمّ الشمل المقترح، حفاظا منهما على التحالف مع الحكومة الحالية، على أمل تحقيق بعض الأهداف التي وُعدا بها.

حجّة عباس وطه بأن القانون يمرُّ عادة ومنذ عام 2003 بدون أي عوائق، ويحظى بأكثرية تلقائية، ولكن الموحَّدة هذه المرة، أرادت أن تستغل موقعها المؤثّر لتحقيق بعض المكاسب، أما المكاسب فهي إعادة نظر الداخلية في 1600 من طلبات لمّ الشِّمل.

هذا يعني أن السيد عباس وضع إستراتيجية إرضاء لبعض العائلات لكسب ودّها، مقابل التراجع عن المبدأ الأصلي، وهو يعني الاستسلام لقانون تمييز عنصري ضد آلاف العائلات المشطورة، إضافة إلى أنه يُحرِّم العلاقات الإنسانية مستقبلا.

من ناحية أخرى، فإن عدم مرور القانون لم يكن بفضل المشتركة لأن المشتركة تعارضه طيلة الوقت، ولا بفضل الممتنعَيْن من الموحَّدة، بل بفضل معارضة كتل اليمين الأخرى وعلى رأسها الليكود، أي أن اللعبة داخلية، وعلى هذا يوجد إجماع، ولا يصل عدد المعترضين على القانون مبدئيًا إلى 15 نائبا.

القانون سوف يعود ويجري وسوف يتواصل العمل فيه، ولن تكون أي تعديلات إلا المعادية منها للعرب.

تصويت منصور ووليد طه إلى جانب قانون عنصري يضرُّ ولا ينفع، وضرره لا يقارن بالكسب الطفيف الذي يرجوانه، وهو قانون مُدان عالميا، والمفروض أن يحارَب إعلاميا وعربيا ودوليا وفضحه، وفضح كل القوانين العنصرية وليس تزيينها بصوتين من الموحّدة، وبأصوات حزب حقوق المواطن من “ميرتس”.

كذلك فهو تراجع من قِبل حزب “ميرتس” الذي يرفع لواء حقوق الإنسان والمواطن، علمًا بأن “ميرتس” رفع شعارًا ضد هذا القانون طيلة الوقت، فما الذي حدث حتى تخلى هذا الحزب عن موقفه الأساسي؟ الجديد هو انحناء “ميرتس” أيضا لقانون عنصري.

إعادة النظر في عدد محدود من طلبات لم الشمل، يضع العائلات التي تطلب لم الشمل تحت قبضة (الشاباك)، حيث تتعرّض للابتزاز مقابل الموافقة على مجرّد النظر في طلباتها، أو تأجيل البتّ فيها حتى تُثبت العائلات حُسن سلوكها، هذا يعني أن المطلوب هو رضى الشاباك عنها، وهذه عملية بعيدة جدًا عن كونها عملا لصالح بعض العائلات، العكس صحيح، فهو يضعها في موقع سهل للابتزاز، حتى أن مصادر في الشاباك صرَّحت بأن منع تمرير القانون يمسّ في عمل جهاز الأمن العام، الذي يرى في إعادة النظر في عدد محدود من الطلبات، فرصة لاستغلال المتقدمين بهذه الطلبات.

من جهة أخرى، قانون لم الشمل يحرم الفلسطيني في إسرائيل من الزواج بفلسطينية من الضفة الغربية وقطاع غزة و”دولٍ معادية”، فهل الضفة الغربية برئاسة محمود عباس هي دولة معادية؟ وإذا كانت معادية فما معنى التنسيق الأمني الجاري منذ سنين على قدم وساق؟

كي نحقق بالفعل بعض المكاسب، نحتاج إلى مواصلة طريق الكفاح والتصعيد في فضح سياسة الأبرتهايد ومحاصرتها على مستوى العالم، وتطوير جاهزية الجمهور الكفاحية، ليس فقط في موضوع جمع شمل العائلات، بل إدخال موضوع حق عودة المُهجّرين إلى الرأي العام المحلي والعالمي، وعدم التسليم بأنها قضية منتهية وأصبحت من الماضي.

اقرأ/ي أيضًا | خيانة لمعنى الحُرِّيّة…

صحيح أن هذا هو الطريق الصعب، والذي قد يستغرق عقودا ليثمر، ولكنه الطريق الوحيد الذي يمكن أن يؤثر في قضايا جوهرية تشكل لبّ الصراع.

أما زراعة الوهم بالقدرة على تحقيق تغييرات جذرية في قضايا أساسية مثل حق العودة، من خلال بعض التكتيكات، فلا تؤدي إلا إلى الخسارة، وإلى إحباط من يؤمن بها، لأن النتائج دائمًا ستكون مخيِّبة، فهي ليست قضية رفع سقف ميزانية أو غيره، بل قضية تمس جوهر ولبّ الصراع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى