قراءة في مجموعة ” نوارس تبحث عن الأحباب ” لـ نزهة أبوغوش
بقلم: رفيقة عثمان | ناقدة
في هذه القراءة أتطرّق للحديث عن خمس عشرة قصّة قصيرة، من تأليف الكاتبة نزهة أبوغوش؛ تحت عنوان “نوارس تبحث عن الأحباب”، هذه المجموعة لم تُنشر بعد.
استخدمت الكاتبة أسلوبًا فنيًّا مغايرًا لكلّ قصّة، نحو الحوار العادي، والحوار الذّاتي، وتحدّث الرّاوي بضمير الأنا؛ للتّعبيرعن العاطفة، ممّا يضفي على القصص المصداقيّة والتّماهي معها.
هذه المجموعة القصصيّة، تحمل في طيّاتها النقد الاجتماعي اللّاذع، والسّياسي أحيانًا، والرمزيّة احيانًا؛ المستوحاة من الواقع الاجتماعي الفلسطيني والعربي بشكل عام، والّتي نسجها خيال الكاتبة لتوصيل الفكرة الرئيسيّة من كلّ قصة.
طوّعت الكاتبة اللّغة العربيّة البسيطة والسّهلة، في عبارات مكثّفة تتماشى مع الأحداث والشّخصيّات المختلفة، كما أدخلت اللّهجة العاميّة أحيانًا في بعض القصص، دون أن تؤثّر على مبنى القصّة؛ بل كانت أضافت إضافة نوعيّة للتعريف على شخصيّات القصص وصفاتهم من خلال الحوار.
ظهر اسلوب السّخريّة والهزل، والمفارقات في بعض القصص؛ للتعبيرعن الرّسالة التي تهدف إليها الكاتبة؛ بنقد بقصّة تلفت الانتباه، في النقد الاجتماعي، والنقد اللّاذع هي قصّة الحالة الماديّة، والتي فيها نوع من المُفارقة، باستخدام ضمير الأنا. في هذا السّياق، والتي تتّصف بنفس الأسلوب ممكن ضم قصّة بين الحاجز والحاجز، والّتي تخلّلها نوع من السّخرية، نحو الإيمان بالشعوذة؛ الّتي زجّت بالبطل الّذي لا يومن بتاتًا بها، إلا عند يأسه من الوضع السياسي الأليم، واستنفاذ الوسائل الأخرى للتعامل مع الاحتلال، ممّا جعلته أن يستجير بالشّعوذة!. كما ورد على لسان البطل في نهاية القصّة عندما طلب منه الجندي ” ارفع قميصك، نزّل بنطلونك، اخلع نعليك والخ..” والجملة الهزليّة كانت في عبارة عندما قال: ” سأدبّرهم .. هل منكن تقدر على أن تأتيني بعشر ريشات وديك، يا إلهي كيف سأتدبّر بإحضار قمصانهم؟”. أي قمصان الجنود؛ كي يعمل لهم سحرًا لإيذائهم كما آذوه.
نهجت الكاتبة في قصّة باص الصّباح الأسلوب ذاته من النقد الاجتماعي، بسخرية، نحو عدم وجود خصوصيّات للإنسان وكشف المستور، حتّى الأكثر سريّة داخل البيوت. في عالم تطغى عليه الحياة التكنولوجيّة، في التّواصل الاجتماعي، البعيد عن روح الإنسانيّة، بالنهاية الإنسان يبحث عن الإنسانيّة، كما ظهرت على لسان البطل في بعض الظواهر الاجتماعيّة أحيانًا؛ كما ورد في قصّتي: (بين الحاجز والحاجز ، ومحاكمة الأجداد.
سأتطرّق لكل قصّة من حيث مغزاها والفكرة الرّئيسيّة التي رانت إليها الكاتبة نزهة أبوغوش:
نوارس تبحث عن الأحباب، هي قصّة تحمل عنوان المجموعة القصصيّة، استوحتها الكاتة من مقولة قالها البطل الحبيب لحبيبته ” ترى هل النوارس تبحث عن الأحباب مثلنا؟”. تعبشي عادة قريبا من المحيطات والبحار محلّقة عاليًا، وتتكيّف وفقًا لظروف المكان، فهي كالإنسان تتزاوج النّوارس وتتكاثر.
تعمّدت الكاتبة إلقاء مشاعر الحبيب على النوارس، التي تحوم بمكانها، شبّهتها الكاتبة بأنّها تبحث عن الأحباب؛ وهي رمز للإخلاص وتعلّقها بالمكان ذاته.
بينما قصّة الغولة فهي قصّة قصيرة جدًّا، والحوار فيها مكثّف، وعبّر عن الفكرة الرئيسيّة باختصار، وإظهار الأنانيّة وعدم المبادرة لردع المصائب من بعيد قبل وصولها إلينا ؛ تبدو لي بأنّها قصّة رمزية، سياسيّة؛ لصورة الدول والحكومات العربيّة التي تنأى عن المشاركة والهبّة لنصرة فلسطين، فهي لم تفعل، إلى أن وصلت المصائب إليها.
في قصّة سر البيضة، اختارت الكاتبة البيضة كوسيلة؛ لتوصيل الفكرة حول صعوبة تحمّل المسؤوليّة، والحفاظ عليها، ونجحت الكاتبة في إقناع القارئ ، بأنّه ليس كل إنسان بإمكانه تحمّل المسؤوليّة كما يجب.
في هذه القصّة يشعر القارئ في الصّورة الحركيّة للأحداث، لِما يتخلّلها من وصف لردود أفعال البطل وتوتّر وانفعالات مختلفة، أثناء تحرّكاته للحفاظ على البيضة التي أودعها مديره بين يديه؛ لإعادتها له سالمة في نهاية الأسبوع. هذه الصور تدفع القارئ وتشوّقه للقراءة السّريعة، وملاحقة الأحداث؛ لمعرفة النهاية.
لو تأمّلنا قصّة الموت البطيء: نجد بأّنّها قصّة إنسانيّة بحتة، تهتم في مواكبة للأحداث والصّراعات الرّاهنة والدائرة في الوسط العربي . كما وردت عبارة في القصّة: ” لقد وضعوا البوّابات الإلكترونيّة باب الأقصى” وغيرها. كل هذه الأحداث والصّراعات التي نعيشها يوميًّا لها تأثير قويّ على حياتنا اليوميّة.
برز استخدام اللّهجة العاميّة في هذه القصّة، والتي كشفت عن الأبطال ومكانتهم في القصّة، وفق المركز الاجتماعي التي يتحلّى بها الأبطال.؛ كما ظهر في الحوار الّذي دار بين المرأة الفلّاحة والطبيب.
الخبز المُطرّز: قصّة تمجّد صفات المرأة الفلسطينيّة، في كفاءتها وصبرها على الحالة المعيشيّة، واجتياز الأزمات، من صناعة أمور هامّة من لا شيئ، وهذا دعم لصمودها وصمود مجتمعها، وبإمكان الأسرة الفلسطينيّة أن تعتاش من موارد ذاتيّة وبسيطة جدّا. كذلك قصّة رعاة الأعشاب تدعم نفس فكرة في تعزيز الصّمود، واهميّة الأعشاب في حياة الفلسطينيين، والّتي لها دور هام في صمودهم أثناء الحروب والأزمات؛ بمعنى أنّ الفلسطيني تدبير أمره باقتصاد ذاتي، دون الحاجة إلى الغير؛ وخاصّةً المرأة الفلسطينيّة وتدبيرها. من الممكن القول بأنّ قصّة المرأة الذّكيّة، تعزّز قدرة المرأة في الحفاظ على العلاقات الاجتماعيّة.
الخلطة السّحريّة، قصّة حقيقيّة مستوحاة من واقع الحياة، وصدف أن سمعتها بالأخبار، عن طبيبة تونسيّة شابّة، استحال علاجها فلاقت حتفها بسبب الكورونا؛ حيث سردت لنا الكاتبة هذه القصّة ونسجتها من وحي خيالها. أظهرت الكاتبة الصّراع بين العقل والوجدان، وتغلّب العقل على العاطفة بالنهاية. هذه القصّة تعتبر توثيقًا تأريخيًّا لزمن الكورونا.
لو تأمّلنا فصّة الحالة الماديّة تميّزها المفارقة والنقد اللّاذع، للحالة الاجتماعيّة، في تحديد الأولويّات في حياتنا، ونهتم بالقشور والمظاهر الخارجيّة قبل كل شئ؛ كما ظهر على لسان البطلة بالقصّة التي بحوزتها هاتف نقّال ثمين، دون الاهتمام بتوفير الحماية والصحّة لأبنائها.
خلاصة القول: المجموعة القصصيّة بعنوان: “النوارس تبحث عن الاحباب” أوصي بها لاختيارها في المطالعة المدرسيّة، واقتنائها في كافّة المكتبات العربيّة؛ لاهميّتها في النقد الاجتماعي، وتطرير النقد الذأتي، والحس القرائي.