صلاح سليمان.. غادر معلما وعاد نبيا
تلميذه: ناصر أبو عون
أربعون عاما بالتمام والكمال قطعها المعلم ذو الوجه الأحمر خجلا من الذين خلعوا برقع الحياء، و وجلا من عتاب ربه، و وراثة عن أبيه.
عاد صلاح سليمان بعدها باعثا القرية من صمتها، ونافخا الحياة في أجداثها، ونافضا الغبار عن عقولها، متقصيا سير المتأخرين اولأولين القابضين على جمر الإيمان، وموليا وجهه شطر القيم التي ماتت على أعتاب الباحثين عن عرض زائل من أثمال الدنيا الفانية.
عاد المعلم صلاح سليمان لينثر النور على رؤوس النائمين على أسلاخ آذانهم، وينتشل المخمورين من سكرتهم، ويمزق عباءات الفخر الكذوب على أجساد الباحثين عن بقعة ضوء باهتة في بلدة طيبة ورب غضوب.
غادر صلاح سليمان القرية معلما وعاد نبيا يمشي الهوينى بوجه بشوش، ويخطو في تؤدة بقدم راسخة، وينشر محبته في صحائف من نور.. لكن هيهات هيهات منا الحكمة (ليت قومه يعلمون).
وعبر صفحات الأزرق ازدانت صور الكثيرين بصحبته، وكل منا لا يبغي غير قبس من ضياه، أو استطالة كاذبة من محياه، أو تمسحا في بهاه، جميعنا لم يع الدرس، وران على قلوبنا ما اكتسبته أيدينا، فلم تتلق قلوبنا نور رسالته، وبعضنا كانت بغيته التطهر من أدران الحياة بصحبته، والبعض الآخر أراد أن يقتنص فيضا من هيبته، وقليل من السائرين في ركابه صبور لعله ينعم بقبضة من سناه.
عاد صلاح سليمان ليجتث جذور الفتنة، ويستأصل نبتة الجهل المتوارثة في عقولنا، ويطفئ جذوة الجهالة في نفوسنا الأمّارة، وينثر بذور المحبة في أرض جدب، وصحراء قفر، لا هي تمسك العلم ولا هي تحتفي بالعلماء؛ لكنه آمن برسالته، وشمّر عن ساعده، وامتطى محراثه.
وفي نشوة الأمل، وفي محراب العمل، وعلى حين غره اختطفه الموت عقابا لنا، وتشريفا لمهنته، ونكاية فينا، وتتويجا لمسيرته، وتوبيخا وتقريظا لعقولنا البليدة، وتوثيقا لرحلته.
وداعا معلمي.. إلى جنة الخلد.