مت، أو لأموت أنا
ياسمين كنعان | فلسطين
وتسألني لم لم أقترف حماقة جديدة منذ مدة؟!
وأقول لك” ليس من الهين ارتكاب حماقة وواقعك ثقيل مثل رصاص! كيف ورأسي ممتلىء بعبثية الاحتمالات؛ كأن أبقى على قيد الحياة، أو أستمر فيها! كيف أكتب وما على الأصابع سوى ارتعاشة الألم وانكسار الفكرة؟!
أو تدري حتى شهرزاد كانت تضجرها الحكايات ويضجرها السرد المتواصل، كانت تحتال على شهريار الأحمق وتسكت عن البوح؛ ولكي تحفظ حياتها كانت تذيب بعض الحبوب المنومة في كأس شرابه الذي يتجرعه وهو يحدق في عينيها، ثم يغيب في سكرة النوم، عندها كانت تهب على قدميها وتهرع إلى الشرفة، تفتح ذراعيها وتحتضن النسمات وتلاحق النجمات البعيدة، وأحيانا كانت تتسلق الحافة القصيرة وتمشي متأرجحة مثل بهلواني السيرك؛ تمشي وهي تحدق في السماء..لم تكن تخشى أن تزل قدمها وتقع، كانت تمارس حريتها بطريقتها الغريبة؛ تتقمص شخصيات متعددة لتنجو من ثقل الحكاية!”
قطبت جبينك وأنت ترسم علامات الاستفهام والتعجب، و كعادتك كنت تستغرق في الأسئلة، وربما قلت:”يا للحماية! ”
“لم تستغرب” قلت لك؛ من قال إن شهرزاد كانت تستمتع باختلاق القصص و الحكايا كل ليلة؟!
هي أيضا كانت تتعب من السرد..وفي ليلة من الليالي قررت أن تسكت وأن لا تحكي لهذا الأحمق أي حكاية؛ وعندما اطمئنت لنومه كانت ضجرة من كل شيء، لم تهرع إلى الشرفة ولم ترقص عارية على لحن يتردد في رأسها؛ استدارت نحو الحائط العاري، وحدقت فيه، كانت تفتح عينيها على وسعهما وتحدق باللاشيء، ثم بدأت تسرد الحكاية بصوت خافت، وأحيانا تخاطبه وهي تعلم أنه لا يسمع..تقول بما يشبه الهمس” أنت تعرف كم أمقتك يا شهريار، وكم أمقت هذه اللحظة التي تتعالى فيها أنفاسك وتجعلني أختنق..أتصدق أن مجرد وجودك ورائحتك تخنقني؟!
لو تعرف كم قتلتك في خيالي، لو تعرف كم مرة مت، وكيف كنت أقتلك دون أن يرف لي جفن..بل إن موتك كان يبعث على الضحك أحيانا!
أقول لك وأنت تلفظ أنفاسك الأخيرة”أرني جبروتك الآن، ها أنت تموت بلا حول ولا قوة، وها أنا أتحرر من قبضتك، وأحرر عنقي من أصابعك الخشنة!
مت كما تموت الحكاية..مت لأرتاح من حضورك الذي يصادر حقي في الحياة، مت لأكون سيدة حكايتي، ولا أكون مجبرة على تمثيل دور شهرزاد طويلا!.. قتلك ولم تمت، لكنك مت في قلبي منذ زمن بعيد..
صوتك يربك إيقاعات قلبي ويشوش تفكيري، من قال إني أستمتع بسرد الحكايا، من قال لك إني سعيدة بتقمص ما لا يشبهني؟!
مت ليكون هذا الليل لي، ولأسترد اسمي وعائلتي، مت لأعود طفلة تبعث من أرض الأقحوان والحنون..
مت، أو لأموت أنا؛ لم يعد هذا السرد يحتمل وجودنا معا، لتترك أو أترك أنا المشهد الأخير، لم يعد يجدي نفعا أن تسدل الستارة على خصمين لا يجيدان تمثيل دور الحب!
سأترك لك المسرحية بكل فصولها، كن أنت القاتل والقتيل، واتركني فما عدت راغبة في دور البطولة وما عاد يثيرني هذا الوجود!
سأنزع عني الألقاب والأسماء التي تسميت بها، وسأتقمص الجنون لأنجو؛ فالله لا يحاسب على الجنون!
رفع عني القلم، وسقط من بين أصابعي القلم، وما عدت قادرة على الدخول في أي حكاية أو حماقة!”