الشعر التعليمي في اللغة والطب نتاج عقلية عظيمة
د. أحمد الطباخ| مصر
عندما برع علماء العرب في العلوم وتمكنوا منها وأبدعوا فيها شرعوا في نظمها في منظومات تعليمية لم يسبقهم إليها سابق وإنما كانوا سباقين في ذلك وهذا أمر فريد وطراز بديع لا يستطيعه إلا من تمكن من الفن والعلم وجمع بينهما فالأمر يحتاج إلى قريحة مبدعة وسليقة سوية وعقلية فذة وقدم راسخ وأمانة علمية وشاعرية متمكنة من لغتها وأعمدة الشعر الذي به يتمكن من لغة وعروض وثقافية ونحو وصرف وعلم في الفن الذي سيركزه في ألفاظ قليلة وهذا لا يتأتى إلا من ألم بالعلم وتمكن منه ورسخ فيه فألفية ابن مالك التي جمعت قواعد النحو في ألف بيت بطريقة عبقرية وجاء بعد ذلك علماء النحو يشرحونها في شروح عديدة ومتنوعة في طريقة عرضها والتوسع فيها .
ولم يقتصر الأمر على علم النحو والصرف وإنما صرفوا همتهم في كل علم وفن فيما عرف بعد ذلك واصطلح على تسميته بعلم المنظومات في كل العلوم والفنون ولكن لم نسمع عن أحد استطاع أن ينظم في علم الطب والعقاقير كما فعل هذا العالم في أرجوزته التي تناول فيها ما يخص علم الطب والصيدلة في شعر تعليمي فقد كان طلاب العلم يحفظون القرآن ومعه يتلقون تلك المنظومات الشعرية التي كان العلماء ينظمونها من بحر الرجز لخفته وسهولة تفعيلاته وسرعة إيقاعه وجمال موسيقاه التي تأخذ بالأسماع فيسهل الحفظ والتلقين واختيار هذا البحر بالذات دليل على جمال الذوق وحسن الاختيار والتذوق الذي كان عليه العالم الموسوعي الذي جمع بين الأدب والعلم بغية خدمة البشرية إنطلاقا من فهمه العميق للدين والتخصص الدقيق الذي ألم به كل عالم بارع من علمائنا العظام الذين أبدعوا واخترعوا وابتكروا دون مثال سابق .
أُرجوزة في الطب كتبها إبراهيم بن أحمد الشوي الدسوقي الشافعي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر؛ وتتناول القصيدة المحفوظة في المخطوطة الحالية تقليد الشعر التعليمي الذي لم يختفِ من العالم الإسلامي بصورة حقيقية ، على الأقل حتى نهاية القرن التاسع عشر. مُغنية المعاني فى صناعة الطب عبارة عن أبيات تزيد عن الألف بيت، منظومة بصيغة عَروضية دقيقة.
البنية المُقفاة أكثر حرية من تلك الموجودة في شكل الشعر الغنائي العربي الكلاسيكي المُسمى قصيدة والتي فيها أواخر الشطور التي تشكل الأبيات الفردية هي فقط التي تتناغم مع بعضها البعض وتتناول القصيدة الطب والعقاقير وعلم الصيدلة وتبدأ بصفحتين تحويان فهرس المحتويات تُغطي الأقسام المتعددة للمخطوطة العناصر الكيميائية وأسباب المرض وصحة الجسد والدماغ وتصف علاجات أجزاء الجسم المختلفة، بدايةً من العينين والأنف والفم والوجه والأذنين وحتى المُعالجات الخاصة بمشكلات الكبد يتضمن العمل كذلك قسم أخير خاص بصحة الأطفال.
إنها العقول التي صقلت بالمعرفة وتشكلت بثقافة القرٱن الكريم الذي كان له دور عظيم في اتساع دائرة المعرفة فغطته ولم تدع زاوية إلا وأبدع فيه العقلية العربية دون تقليد لغيرها كان ذلك عندما كان تعليما نابعا من ثقافتنا وعلومنا ومعارفنا وتراثنا الذي زخر بكوكبة عظيمة من المخترعين في الطب واللغة والفن والعمارة في حرية رأي وعزة وكرامة للإنسان الذي هو أساس كل بناء .