شاهد.. د. ذكرى عبد الصاحب في حديثها عن ضعف توظيف التقنيات الحديثة دلاليا وجماليا في مشهدية العروض المسرحية.. تقنية الماكياج أنموذجا
خاص| المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح
بالتأكيد لا تكفي الأيام والأوراق في حصر هذا الصرح الإبداعي الجمالي بتفصيلاته وإيقوناته ألا وهو المسرح.
إذ تنضوي الاعمال المسرحية الى المجهود الأدائي الجمعي التشاركي، الذي تتظافر فيه الجهود لتوظيف جميع العناصر المسرحية لإثراء المشهدية الدرامية من خلال إتقان صناعة المشهد فكرياً وجمالياً و دلالياً.
وفي فضاء العرض تتخذ التقنيات أهمية كبيرة كونها تصبح الوسيط الذي يترجم الرؤية الفلسفية للإخراج، ويمنح الأداء قدراً من التكامل ودعم أدوات الممثل في عملية الاتصال صوتاً وصورة وفعل حركي، فالتقنيات لها لغتها الجمالية الخاصة ولها سياقها في العمل المسرحي، فللون والضوء أهمية في الكشف والإظهار وفي الجذب والإبهار .
إذ تختلف مستويات توظيف تلك العناصر ما بين ما هو واقعي، وما هو متخيل ، أي ما يضيفه المخرج إلى ماموجود من إرشادات في النص المكتوب حسب رؤياه الفلسفية وأسلوب الإخراج الذي اعتمده في رسم مسارات شخوصه وطبائعها ومختلف مواصفاتها الداخلية والخارجية من تداعيات نفسية واشكالات حياتية للوصول إلى هدفها الذي يتمخض عنه حل عقدة المسرحية بعد أن تصل إلى ذروة صراعها وقبل انفراج أزمتها.
فالشخوص تتجسد بناءً على تلاقح فكرتي المؤلف والمخرج وتفهم التقني لطبيعة تلك الشخصيات التي تتم دراستها في جميع نواحيها البيئية وطبيعة حياتها ونفسياتها وطبيعة تفكيرها وما مرت به تلك الشخوص من ظروف ومآسي وأزمات .
حيث تتضافر جميع المكملات المسرحية في التشكيل والتجسيد، وهي عناصر ليست لغوية وغير منطوقة، بل هي تكوينات مرئية تتشارك مع المنطوق في الدلالات الرمزية فتمنح العرض جانباً من التكامل الفني والجمالي وتعمق فيها الرموز الدلالية.
إن الكتابة الجديدة ينبغي أن تؤكد على نص العرض واحتمالاته المفتوحة سواءْ في مسرح مغلق أو مفتوح بمختلف فضاءاته وإن الاهتمام بعملية التحويل للرؤى الفكرية والخيالية إلى مرحلة التجسيد المادي التي تسهم فيها السينوغرافيا عبر تقنيات الإضاءة ورسم المناظر والديكور.
وهذا الاهتمام ليس وليد اليوم بل سبق أن أبدع فيه فنانون أمثال (كوردن كريج و أبيا) اللذين قدما مفاتيح مهمة ونوافذ جديدة يطل منها المخرج ليضفي على العرض تركيبات بصرية جذابة تنطلق من تلك الرؤى الفلسفية التي يسعى(المخرج والدراما تورك) ومجموعة التقنيين والمصممين ومهندسي الديكور ومصممي الإضاءة والموسيقى التي تتناغم مع حركة جسد الممثل، وما يرسله من شفرات من خلال الصياغات التعبيرية التي من الممكن ان يظهرها فن الماكياج والازياء ومكملات الديكور وجمال الألوان مع انسيابية حركة الممثلين وفق إيقاع البناء الدرامي البصري، حين يضرب الضوء الفيزيائي جزيئات اللون الكيميائي المرسوم على الوجه أو حتى الجسد أو في ألوان الأزياء وطبيعة التصاميم وبعض قطع الملحقات من اكسسوار وقطع ديكورية تفيض جمالا” مع حوار الشخصيات الدرامية
وبتطور علاقاتها وصراعها المتصاعد ضمن مشهدية جمالية ساحرة مدهشة للمتلقي، تختلط فيها المتعة مع فاعلية المتلقي في البحث والتأويل محاولاً أن يكون شريكا في هذه التجربة الجمالية بوعيه وتحليله وبالتالي إنتاج نصه الآخر بدلالات تؤدي بمجملها إلى التأويل وتحقيق الأثر وإنتاج المعنى.
حيث الماكياج فرض نفسه كأحد مكملات العرض التواصلية في هدم معنى وبناء معنى لتقريب الأشكال فهو يوحد شكل الممثل مع باقي عناصر العرض الذي يعتمد الخط والكتلة واللون والشكل لإيصال فكرة العمل.
حيث العمل ككل متكامل لا يمكن فصل أي عنصر من عناصره أو تغييب إحدى جوانب هذه التقنيات، إذ لو تم تهميش أية جزئية في العمل بالتأكيد لن تكتمل رسالته الجمالية ويصبح فيه اللون باهتا” والصوت لا يرتقي إلى الذائقة الجمالية ولا يحقق العرض التأثير والتفاعل مع الجمهور وهو الذي يكمل الخطاب الجمالي المنشود حيث تفاعله مع الطلة الأولى للشخصية التي تحمل أنساقاً دلالية كما حددها المفكر (كافزان) ب١٣ نسقا” في العرض المسرحي والتي تشكل شخصية الممثل على الخشبة أول هذه الانساق هو الممثل نفسه ثم صوته وحركته ،اما الماكياج والازياء فشملت الرقم من ٦ الى ٨ من هذه العناصر ودرجة قربها من الممثل .
هنا نستشهد بمقولة (فيتالي) يقول أن الماكياج هو لباس الوجه علينا أن نتعلم كيف نلبسه، ويتضح الماكياج منذ ولادة الدور ويكبر معه ويتبع مراحل تطورنا الدرامي.
حيث يجسد فن الماكياج الفعل الداخلي للممثل والذي يؤدي إلى فعله الجسدي الخارجي فيقول (هيكل) أن الفن ينبع من العالم الباطن للإنسان ليخرج إلى العالم الخارجي إلى الوعي، لذلك من مهام فنان الماكياج هو أن يشخص طبيعة الشخصية سواء كانت طيبة أو شريرة لمعرفة ماهية الشخصية للمتلقين، حيث فن الماكياج يتعامل مع العرق والعمر وتأثيرات البيئة والوراثة أي يدخل في علوم دراسة الإنسان الانثروبولوجي والبايولوجي والسيسيولوجي والسايكولوجي،والسيمولوجياوالفسيوجينومي. إذن لفن الماكياج أهمية في تكاملية العمل الدرامي وتجسيد الشخصيات الى طبيعتها الدرامية ودورها في خلق وإدارة الصراع.
ومن خلال متابعتي ومشاهدتي ومشاركتي كتقنية في بعض العروض سواء مع الفرقة الوطنية أو مع بعض الأعمال التي تقدم في الفرق المسرحية غير الرسمية
جذب انتباهي حالة تهميش تقنيات مهمة في تكاملية العروض فغالبا ما نجد عدم الاهتمام (كمثال): ما يضفيه فن الماكياج في تجسيد أبعاد الشخصيات ومنحها قوة تعبيرية وتقريبها من الموقف الدرامي أو التعبير عن أبعاد الشخصية (الطبيعية والاجتماعية والنفسية) وتقريبها إلى واقع الأحداث ومخيلة المتلقي التي تساهم في ملئ الفجوات القصدية تلك التي يتركها المخرج فارغة من أجل إثارة عنصر الدهشة والتساؤل لدى المتلقي الذي يتحول إلى شريك فاعل في إنتاجية العمل الفني وتحققه .
فكم من الأعمال الجيدة كتابة والتي تتوفر على حوار جميل ورؤى فكرية رائعة أفسدها إهمال بعض الجوانب التقنية التي تعزز ذلك، وغيابها يجعل العرض يبدو ناقصاً باهتاً يفقد العناصر الجمالية التي تمنحه قوة التأثير والحضور.
ونعزي هذا التراجع الفني إلى عدد من الأسباب والتي يمكن تحديدها بما يلي :
• نتيجة قلة الخبرات والممارسة والاطلاع على التجارب المتقدمة
• قصور في الرؤيا الفنية
• القناعة بما يقدم مهما كان مستواه والاكتفاء بما يتوفر من إمكانات تقنية محدودة لا تفي بغرض تجسيد الصور وبناء مشهدية تضيف لأفكار النص وتعمق رؤاه الفنية والفلسفية والجمالية وتمنحه شفرات جديدة مختزنة بدلالات مضافة.
•الاعتماد على عناصر غير مؤهلة فنياً وابداعياً في مجال التقنيات الحديثة.
•عدم مواكبة التطورات التكنولوجية والبحث عنها للإفادة منها في تجارب فنية جديدة
•قلة التجريب في الأعمال الدرامية لذلك نرى بعض المخرجين يحصرون أنفسهم في زاوية الواقع دون الخروج إلىآفاق التجريب.
•عدم توفر الإمكانات المادية أي عدم اهتمام المؤسسات الفنية في دعم المنتج الفني بكل أشكاله.
في حين أن المخرج الحاذق هو من يستغل الطاقات ويوظف تلك الجماليات ليثري عمله الإبداعي باختيار أفضل المصممين والتقنيين.. وأن يبحث عن كل ما هو جديد وحديث في الكتابات والتقنيات وما يحقق له رؤاه الفنية
يضاف إلى ذلك دور السياسة الثقافية التي تتبناها المؤسسات الفنية عبر الإنتاج الفني بكل أشكاله نرى أن الإدارة السياسية تؤثر على المنتج الفني وتطبعه وفق ما يحقق مصالحها دون الاهتمام بما ينبغي أن يقدم تبعاً لحاجات الواقع المعاصر وما يتطلع اليه الجمهور بمختلف توجهاته أو مستويات وعيه وثقافته.
وفي ختام هذه المؤشرات السريعة أقول: إن فن المسرح سيبقى ميداناً مفتوحاً لاستيعاب مختلف الرؤى والأفكار وهو فن قابل للتجريب وتوظيف أحدث التقنيات ولو أُحْسن ذلك سيمنح نسقاً من التجدد والمواكبة والثراء الفكري والجمالي،
فالمسرح حياة تنبض على الخشبة
هذا البحث تم تقديمه ضمن فعاليات الملتقى الاول للنص المسرحي في رحاب المنتدى العربي الاوروبي للسينما والمسرح ضمن ندوات تقنيات جديدة في الخطاب الدرامي .