حرب الترامادول !

صبري الموجي| رئيس التحرير التنفيذي لجريدة (عالم الثقافة)

لو اعتبرنا أن “حرب الأفيون” التي نشبت بين الصين وبريطانيا بعدما أغرق الإنجليزُ الصين بمُخدر الأفيون الذي أدمنه الصينيون لدرجة أن الصيني كان يبيعُ أرضه وبيته وزوجته مُقابل الحصول على جُرعته هي واحدةٌ من أشد الحروب قذارة في تاريخ البشرية، فإن هناك حربا شبيهة، اشتعلت شرارتها مُؤخرا، إذ تسعى دون كلل لتعويق مسيرة العمل بالهيكل الإداري للدولة، عن طريق خرق القوانين، وعدم احترام مواعيد الحضور والانصراف، والبحث عن ثغرات لقبول المُخالفات المالية والإدارية تسمى حرب (الترامادول).

 ولمن لا يعرف فـ (الترامادول) مُسكنٌ قوى للآلام المُبرحة، التي لا يتحملها الجسم، يعمل عن طريق التأثير على الجهاز العصبي المركزي، ومن ثم حَرص بعضُ مُغيَبي العقل على تعاطيه، مُعتقدين أنه يزيد القدرة الجنسية، ويصل بمُتعاطيه لحالة مزاجية مُرتفعة أو ما يُعرف بـ ( الدماغ العالي)، وهذا وهمٌ لا يُدرك المرءُ حقيقته إلا بعد سقوطه في بئر الإدمان، الذي يُفقده صحته وسُمعته وأهله وماله.

وحسنا فعلت وزارةُ الصحة المصرية بوضع هذا العقار ضمن جدول أدوية (1) مخدرات، والتي لا تُصرف إلا بأمر الطبيب، إلا أن بعضا من أصحاب الذمم الخربة ممن يتعاملون مع هذا العقار بحكم عملهم في الحقل الطبي، ساعدوا على ترويجه عبر أبواب خلفية؛ طمعا في تسيير مصالحهم الشخصية، وفتح الأبواب المغلقة على مصاريعها، وجعل الحق باطلا والباطل حقا !

 وصور خرق القوانين بواسطة هذا العقار العجيب كثيرة ، منها على سبيل المثال لا الحصر أن بعضا من موظفي دفاتر الحضور والانصراف بالمصالح الحكومية يُشترَون بثمن بخس “شرائط معدودة من الترامادول” فيوقعون للغائب بالأسابيع وربما بالشهور، فتتعطل عجلة العمل، وتتأخر مصالح الناس، وتدفع الدولة رواتب لموظفين لا يعملون .

ولم يقف الأمر على صغار الموظفين بل كثيرا ما نسمع عن كبار المسئولين الذين يغضون الطرف عن تجاوزات مرءوسيهم، وتراخيهم عن أداء واجبهم؛ نظير هدايا رمزية، يأتي على رأسها هذا العقار الساحر، أو تذكرة حفل سينمائي أو مسرحي مصحوب بالغداء أو العشاء، يحضره الموظف المُرتشي بصحبة أسرته ؛ لينعموا بالطعام والشراب على أشلاء مؤسسات الدولة المنهوبة !

ناهيك عن تصاريح وعطاءات تُمنح لغير مُستحقيها ممن يحشون جيب المسئول بالمال وبأقراص الفيجا والترامادول. 

ولم يقف تسونامى “الترامادول” وما شابهه من كل صور الرشوة عند هذا الحد بل تسلل إلى لجان اختيار الموظفين، وساهم فى تطبيخ المسابقات، واختيار أنصاف الموهبين ممن دفعوا أكثر، والاستغناء عن أصحاب الموهبة الكاملة، فكانت الخسارة مُزدوجة: حرمان ذوى الحقوق، وحرمان الدولة  من الكفاءات !

وأخيرا فإذا كُنا نُثمن دور الدولة فى محاربة كل صور الفساد، والضرب بيد من حديد على أيدي المفسدين الذين حل عليهم (خريف الغضب) فأخذوا يتساقطون مؤخرا الواحد تلو الآخر، فإنه لزاما على وزارة الصحة أن تسد الباب أمام (الترامادول) باعتباره واحدا من أهم صور الرشوة فتُشدد الرقابة على الموانئ لمنع دخول الترامادول المُهَرب، وتُغلظ عقوبة الاتجار فيه؛ مما يحرم ذوى الذمم الخربة من اتخاذه وسيلة لخرق القوانين وفتح الأبواب المغلقة !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى