قراءة نقدية في قصة ” شبق” للفلسطيني عمر حمّش

حدريوي مصطفى العبدي | المغرب

توطئة

ليس كل ما يلمع ذهبا!………( ويليام شيكسبير)… وبادئ ذي بدء، دعوني أقدم في سطور القاص والأديب عمر حمش. هو قاص  وروائي غزاوي (غزة السليبة) من العيار الثقيل، تتشرف الواحة بوجوده في رحابها، كعنصر من روادها، له أسلوب متميز في الكتابة خاص به يطبعه حتى يكاد يكون.. عنوانا له.

وبما أن الكتابة معاناة وتعبير عنها، فمعظم نصوصه تمتح معينها من المَعاش اليومي الفلسطيني، والأحداث الطابعة لمسيرة مكافحته للاحتلال بدءا من النكبات إلى الحياة داخل السجون والمعتقلات، نص شغف كقيمة ادبية يجعلنا نتعرف ـ عن كثب ـ أسلوبَ كاتبنا هذا وديدنه في رسم خطوط إبداعه.

 

قراءة في قصة شبق

 النصيص القصصي “شبق” من عينة القصة القصيرة جدا، تقتر فيه الكتاب  تكثيفا من خلال لوحات تصويرية دلالية  رائعة: (هرب محترقاَ إلى الأشجارِ اللاهثةِ ـ انكمشَ ملتصقا بالباب ـ فانكمشَ ملتصقا بالباب …) وكانت حبكته رائعة انهارت كسد عرم بنهاية غير متوقعة.

فرغم النص اقرب إلى الطرفة منه إلى القصة يظل جميلا، للعلم فالطرفة ليست امرا هينا ولا في متناول كل من ماسك قلما.

ولإظهار جماليات هذا النص وخفاياه سألتمس آليات المدرسة السلوكية لتفكيكه وتقريبه قدر المستطاع لمستسهله.

  • المثير الأول: لاصقتْه في المقعد الخلفيّ لعربةِ الأجرة، وساقُها الممتلئةُ مالت عليه!.. لماذا لم تجاوِرْه مرافقتُها العجوز… ينتبه الراكب فجأة ويجد امراة مكتملة الأنوثة تجلس قربه في حين تتجنبه العجوز.. طبعا استجابته تكون سؤالا: لم هذه السيدة (العجوز) تدفع بامرأة مكتملة لتجلس جانبه؟

يجد الأمر مريبا، بل يؤمن أنه دعوة صريحة ليأخذ زمام المبادرة ولا يتردد… لكنه يلتاذ بالنافذه هروبا من كومة اللحم، وينشغل بالأشجار الهاربة وراءً من خلال زجاج المركبة. بل ينكمش حتى يبطل الالتماس الجسدي، وهو ملتصق بالباب، نخوةً منه واستعفافا استعفاف الرجل الكريم المؤمن باحترام شخصية الاخر..

 

  • المثير الثاني: كفُّها سقطتْ على ساقِه.. استجابته هذه المرة لا إرادية: صرخة كادت تفضحه لولا كتمه لها داخل زوره.

يزداد اعتمال الأسئلة داخله حتى يبدأ يتوجس ان السائق عارف بما يدور في خلده من هواجس وتهيؤات بل يشك انه في كونه بات مرقابا لحركاته وسكناته من خلال مرآة الرؤية الخلفية.

 

  • المثير الثالث: ذراعُها فوق فخذِه تمدّدَت.. يجعل استجابته أقوى وكانه مثير تعزيزي، عندها يفقد السيطرة وتتولد داخله غريزة الاشتهاء ( الشبق).

 

 

  • المكافاة: أصابعُها تحرّكت مترنمةً، ورأسُها استلقى على صدرِه عصفورَ نارٍ.. تبنيت بند المكافأة وكان هناك حديث سري بين الفتاة والراكب إذ فسرت الأنثى سكوته قبول، فحركت أصابعها بطريقة منتظمة على أن الأمر جدي لا مفتعل ولا الحركات اعتباطية.

 فما كان منه إلا أن فقد السيطرة على تدفق إكسير الليبدو في دمه فالتاذ مرة أخرى هروبا  بالزجاج  وكانه مرآة واكتفى بقراءة قسماتها  فوجدها جميلة غجرية الشعر، ممتلئة الصدر، واستنتج وكانها تقول له هيت لك.

 

  • خبو الإثارة:

ينهار النص عند الخاتمة الفجائية وتنهار معه الإثارة المحمومة حين يكتشف الراكب أن العجوز ما تركت الفتاة لتجلس جنبه لو لم تجدها بضاعة مضروبة، بل  لكونها عالمة أن لا احد يفكر في ان يغازل فتاة مريضة لا عقل لها ولا اتزان في حركاتها.

 

  • خلاصة:

هكذا قرات هذا النص البسيط الجميل، لا يخفي شيء بين سطوره فهو ظاهر عار كدودة لا شيء يستره إلا ديباجته الجميلة… وصوره الرائعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى