جميعنا مراقَبون ومُختَرقون
سهيل كيوان | فلسطين
تدور في هذه الأيام أحاديث حول مراقبة هواتف مسؤولين كبار في المغرب وفي السعودية، وأن هناك شركات مختصة في الأنظمة الإلكترونية في خدمة من يطلبها لمراقبة المعارضين، أو العكس، قد تكون مكلّفة من قبل جهات أجنبية لمراقبة النظام.
كثيراً ما أسمع صدى صوتي بوضوح أثناء حديثي في الهاتف، هذا يثير الشكوك بأن الهاتف مراقب، في إحدى المرّات تأكدت من ذلك، عندما تحدثت مع شخصية سياسية عربية، فسمعتُ صدى المحادثة مترجماً ترجمة فورية إلى العبرية، يبدو أن هذا السياسي مُراقب.
الجميع يراقب الجميع، إسرائيل تتابع وتراقب السُّلطة في غزة وفي الضفة الغربية، فشبكة الاتصالات مرتبطة بالشبكة الإسرائيلية، علماً أن حركة المقاومة في قطاع غزة حاولت التحرر من هذا الارتباط، فأقامت شبكة اتصالات خاصة بها، ولديها قدرات لا بأس بها مثل، اختراق هواتف عسكريين إسرائيليين أو اختراق فضائيات إسرائيلية خلال البث. السلطات في قطاع غزة وفي الضفة الغربية وفي إسرائيل وفي معظم الأنظمة في منطقتنا، تراقب هواتف المواطنين، وعلى كل مواطن إدراك هذا الأمر. عندما أتحدث مع صديق أو قريب في سوريا للاطمئنان عليه أو لتهنئته في العيد، فإن الهاتف يصدر صدى، ومن خلال الحديث مع الصديق، أعرف أنه يعيش حالة قلق خشية من الرّقابة، فهو يحاذر من التطرق إلى السياسة وحقيقة الوضع، فقط يذكر وهو يضحك بأن الكهرباء مقطوعة معظم ساعات النهار والمازوت نادر والحمد لله، لكنه يؤكد على أن الأمور على يرام، وأنا أتفهمه بدوري فهو يشعر بأن المحادثات مراقبة وأي خطأ ممكن أن يسبب له معاناة كبيرة. أجهزة الحاسوب الأرضية التي نستعملها في المكاتب والبيوت مخترقة حتى من قبل هواة عاديين، في إحدى المرات اخترق حاسوبي ابن قريب لي يعيش في أمريكا، كنت أتحدث معه ومع والديه، أرسل لي رابطا لأفتحه، لم أشك في الأمر، بعد لحظات صارت الفارة تتحرك على الشاشة من دون تدخّل مني، ما يعني أن الشاشة باتت مكشوفة أمامه وتحت سيطرته، أخبرني والده بأن ابنه دخل حاسوبي من خلال الرابط الذي أرسله لي، وأن ابنه فنان في اختراق الحواسيب عن بعد، وهذه عملية بسيطة جداً، لا تحتاج إلى قرصان محترف.
شركات باتت قادرة على معرفة أدق التفاصيل عن حياة الأفراد، وهذه ثروة وبضاعة تبيعها لمن يطلبها
أكثر من مرة كنت أغلق الحاسوب وأتركه في وضع نائم، ولكن أتفاجأ بعد حين بأنه مفتوح بما في ذلك البريد الإلكتروني.
يفاجئني جهاز الهاتف بتحوّله التلقائي إلى أوضاع مختلفة «لقد تحول هاتفك الآن إلى الوضع الصامت» ـ أستغرب لأنني لم أفعل ذلك، فمن الذي أسكته ولماذا؟ وأحيانا ينقلب إلى التطبيقات بدون تدخل مني، أو تتحول الشاشة إلى وضع الكاميرا مع الشارة الحمراء، كأنها جاهزة للمسة لتبدأ تصوير فيديو، فما الذي غيّرها وفعل ذلك. في الشارع، أي شارع، وفي أي مبنى أنت مراقب، وكذلك وأنت في سيارتك، خصوصاً في المدن. بات معنى الخصوصية مختلفاً، فهو يعني أنه لا أحد يرى ويسمع ما تفعل، سوى الله وشركات الهايتيك. هذه الشركات باتت قادرة على معرفة أدق التفاصيل عن حياة الأفراد، وهذه ثروة وبضاعة تبيعها لمن يطلبها، وهذا يجري باتفاق مع السّلطة في إسرائيل ورضاها، لأنه جزء من المنظومة الأمنية ونشاطها. هذه الشركات تقدم خدماتها للأنظمة القلقة على مستقبلها، التي تريد التحقق من تفكير كل مواطن وتوجهه، ولكن هذه الشركات تراقب في الوقت ذاته الجهة التي تطلب خدماتها، لأنها لن تستطيع مراقبة معارضي هذه الجهة، أو تلك من دون مراقبة هواتفها وأجهزتها هي نفسها. باتت القوة لمن يسيطر أكثر على أجهزة التحكم الدقيقة، وهي أهم من الصواريخ، لأنها تتحكم في الكثير من مجالات الحياة وقادرة على شلِّها، مثل الكهرباء والماء والصناعات الحيوية، والكثير من المنشآت الحساسة، وما يجري في إيران يشهد على قدرتها التخريبية وفتكها بالأهداف، مثل السوس في الخشب.
ما العمل؟
على الصعيد الفردي يجب أن نكون يقظين في تصرفاتنا وأحاديثنا ومراسلاتنا، وأن نتذكر دائماً بأننا مراقبون من خلال أجهزتنا الذكية، وهذا يشمل كل جهاز في البيت، بما في ذلك جهاز إعداد القهوة المزود بنظام إلكتروني، كثير من شبان الداخل الفلسطيني اعتقلوا وتعرّضوا للتحقيقات، ومنهم من حُكم عليه بالسجن الفعلي بتهمة الاتصال بعميل أجنبي، وذلك نتيجة لتبادل أحاديث مع غرباء عبر وسائل التواصل، وهذا يعني أن الأجهزة التي يتحدثون من خلالها مراقبة، أو أن من يبادلهم الحديث هو نفسه مدسوس للإيقاع بهم. عليك أن تتصرف في حياتك اليومية على أساس أنك مراقب، الحذر من السلطة، ومن الهواة، ومن الناس العاديين ومن نفسك. اعلم أنه لا توجد أسرار، فكل ما تفعله سر سيأتي يوم وينكشف، ولا حصانة لأحد، لا لملك ولا لخفير، لا لنظام ولا لمعارضة، خصوصاً للأنظمة التي تطلب خدمات شركات التجسس الإلكتروني الإسرائيلية، فهذه تعرف جيدا من أين تؤكل الكتف، وتعرف كيف تمسك بملفات مهمة وخطيرة سواء كانت لنظام أو لمعارض أو لمواطن عادي، تكتنزها إلى وقت حاجتها.