زائر بغتة.. نحْو نفَق الأمل (2)
تُهى العبرية | كاتبة عمانية
من هنا نستكمل قصة الكفاح الآدمي لـ “زائر بغتة”، والذي كان على شفَا أن يحمل حقائبه ويغادرنا، وبينما أنتَ في خُلوَتك الخاصة بينك وبين نفسك، وأهلك، وعائلتك، كل شيء يبدو مُستقراً، أمان وارتياح، لا حروب ولا قصف ولا مرض ولا شيء يؤرق- الحمد لله – تركنُ بمكتبك الخاص بعملك ومنزلك لإنهاء بعض الأعمال، وتارةً غارقٌ مع علاقاتك الاجتماعية، وأحياناً أخرى في رحلة استجمام وترفيه خاصة، وهَلُمّ جرا. فجأة، وبدون سابق انذار، اهتزّت كفة الميزان وما عادت متكافئة، دخيلٌ آخر عجيب في أطواره، وغريب في زياراته قد بانَ، “زائرُ بغتة ” أثقل من السابق، تَخالهُ حبرٌ وقع على لوحةِ فنّان، ودمّر ما أبدع.
يقولون ” لا نعرف قيمة ما نملكه حتى نفقده، والحقيقة أننا نعرف ما نملك ولكننا لم نفكر أبداً أننا سنفقده”. ونحن هكذا، افتقدنا أشياء كثيرة بسبب هذا الدخيل الذي طالت زيارته وباتَ مكوثه طويلاً، ونتمنى لو ترجع أيامنا حتى نستذكر تلك النعم والتي اعتبرها البعض روتين مُمل. شوقٌ عارمٌ لأشياء قلّت، وبعضها اختفت، نَتُوقُ للتجمعات العائلية بصخبها وعفويتها وفرحها، أين نحن من شعور الأمان للخروج للتسوق أو العمل دون شك ممن حولك، كَم اشتقنا لرؤية حافلات المدارس وهي تشقُّ طريقها في الحارة لتمتلئ بالطلبة، وغيرها من نثراتِ الحنين التي قد تطولُ فيها السطور.
في المقابل المآسي والأحزان والاكتئاب الذي أصاب البعض بسبب الأوضاع كان كفيلاً لتقوية العامل النفسي والتغلب على الضعف الداخلي والتضرع إلى الله أكثر، فَفاتورة العزلة والضغط النفسي كانت باهظةً بعضَ الشيء، لا أحد يُنكر تلك الظروف العصيبة والتي ما زالت تتذبذب ولم تنقرض، ولكن رغم كل هذا فأنتَ بطلُ هذه المعركة، مهما كانت مكانتك في المجتمع، كُلٌ وله بَصْمته وكفاحه وصبره ومُساهمته، مهما مَرَرْتَ به من أزماتٍ انظر لها بعين اليقين إنّ المُعين فوقك، بالدعاء تحيا وتسعد مهما مرَّ عليك، ولا تنسى مأواك وعائلتك، فهُم الحِضْن الدافئ والسند والاتّكاء، كُونوا مع بعضكم تبقوا لِبعضكم أقوياء.
هناك بعض الدراسات التي توضح الآثار الناتجة من العزلة الاجتماعية والتي مررنا بها وِفقَ ما أشار هاني هنري -أستاذ مشارك في قسم علم النفس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة- “طبيعة ما يمر به الناس من ظرف غير مألوف، قائلًا: بالنسبة للبعض تكمن المشكلة في فكرة الحرمان من شيء، مثل عدم القدرة على الذهاب إلى المساجد أو الكنائس، أو عدم القدرة على الخروج أو زيارة الأهل، أو عدم التيقن مما سيحدث غدًا، مشددًا على ضرورة حماية الإنسان لنفسه ولجهازه العصبي عن طريق تحديد ما يؤثر به وما لا يؤثر به، حتى لا يصل الحال بالشخص إلى التأثر بأي شيء أو كل شيء”. فكُن لنفسكَ دائماً، ولا شيء يبقى ثابتاً إن كان فرحاً أو حُزناً سيمضي.
نعلمُ حقاً أن الكثير كسرته الظروف ولم يحالفه الحظ، وانهارت أحلامه، وتنهّد الصعداء بصمت، وتحدى العراقيل والمصاعب والخسائر وقد لبسه ثوبُ اليأس والوجع، مع هذا ستكون هذه الظروف الاستثنائية التي مرّت بِمثابة النفق الخاص بك، تمُرّ من خلاله لتلبس ثوباً جديدا مشّعاً وتركُن الماضي في صندوق الذكريات، وكُلنا أمل برحيل ضيفنا الثقيل. وتذكّر “أنّ الله يُنقذك في كل مرة تقع فيها، يُسخّر لك الظروف والأسباب، ويبعث فيك الأمل والنور لو كُنتَ في العتمة”.