امرأة عادية من جنين
خالد جمعة| فلسطين
اسمها فاطمة، لا، ربما حليمة، أو نوّارة، لا أعرف، فالوشمُ الذي يحمل اسمها كان قديماً وغير واضح، حاولت أن أميز إن كانت من العموريين، أو الكنعانيين، أو الحثيين، أو المؤابيين، أو العمالقة، أو اليبوسيين، أو الفلسطيين، أو الأراميين، أو المِدْيَنِيّينْ، أو الجرجاشيين، أو الفينيقيين، أو الأخمينيين، أو الأيدوميين، أو من الأنباط… فلم يبُح وشمها بشيء…
كانت غامضةً كأرض حقل قمح، لا شيء يظهر غير رؤوس السنابل، وكلما مشت خطوةً، ولدت توأماً يغني، لم يكن الناس يُدهَشون لذلك، فقلتُ ربما هي عادة أهل البلاد، فاقترب مني رجل في المئة الثانية من عمره، يمشي دون عصا، وقال هامساً: هذه امرأة من جنين، فأي شيء تراه أنت معجزة، تراه هي من يومياتها العادية، فأطبقت فمي وأصبحت مشاهداً.
ظننتها تنثر حَبّاً في المرج الواسع، فكان نثارها أولاد مدارس، بزيهم الذي لا يشبه أزياء المدارس في شيء، جيوب كثيرة، معبأة بالروائح، ويبدون كأشجار بعد ثانيتين، يقولون لها مجرد أن يتمكنوا من الكلام “تكفيهم ثانية واحدة ليتكلموا”، سنفعل ما تأمرين يا أمي، ولم أكن أعرف وقتها أنها إن غضِبت، فستسكت الريح وينحبس المطر.
في جزء من الحقل، شرقياً كان، تزرع وروداً زرقاء، بنظرة عين تزرع وروداً زرقاء، وتتحول الورود بعد دقائق إلى أسماء ووجوه بابتسامات غامقة، عرفت لاحقاً أنها ورود الشهداء التي تملأ السهلَ، وأن المرأة الآن في وقت حدادها، كان المشهد الأكثر تأثيراً في تاريخ الأمم، أن تشاهد امرأة من جنين في وقت حدادها، حيث يزيد ثوبها مئة غرزةٍ، وعيون الماء في الوادي تفوح كعطر الميرمية، بماءٍ صافٍ وأغنيات جبلية حزينة.
إنها امرأة من جنين، قال مراسلٌ أجنبيٌّ يعرف تماماً الفرق بين النساء، وكيف عرفت، سألتُه بسذاجةٍ، فأشار إلى الأجهزة الكثيرة التي يحملها، وقال: كل التكنولوجيا توقفت، وهذا لا يحدث مطلقاً، إلا إذا كان في المشهد امرأة من جنين.