75 عاما على قرار تقسيم فلسطين ومازالت معركة تحقيق المصير مستمرة

عصام مخول | فلسطين

29 نوفمبر 1947 – 2022

       في مثل هذا اليوم قبل 75 عاما بالتمام، أقرت الجمعية العامومية للأمم المتحدة حديثة العهد، والتي نشأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية وعكست توازن القوى الجديد عل الساحة الدولية، قرارها التاريخي رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية.
    جاء قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 29 نوفمبر1947 بالحل على أساس تقسيم فلسطين ليطرح خيارات قاسية أمام الشعب العربي الفلسطيني، وأبرز قرار الأمم المتحدة أن توازن القوى على الصعيد المحلي الفلسطيني، وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي كان مواتيا لقيام دولة إسرائيل أكثر مما كان مواتيا لطموحات الشعب الفلسطيني ، في ظل مؤامرة امتدت عبر سنوات الانتداب البريطاني، شاركت فيها القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية لمنع الشعب الفلسطيني من إقامة دولته ، وممارسته لحقوقه القومية وفي طليعتها حقه في تقرير المصير . وأصبحت المهمة الوطنية والديمقراطية الأساسية والملحّة في ظل الخيارات الحالكة التي تنتظر الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة، تتمثل في إنقاذ حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ولو على جزء من فلسطين، وتخليص هذا الحق من براثن المتآمرين.
    وعلى الرغم من أن القيادة الصهيونية أعلنت قبولها للقرار من جهة، واحتفلت بصدوره مع انتهاء التصويت عليه، فإنها رفضته فعليا وعملت على الأرض على منع تطبيق الجانب المتعلق بقيام الدولة العربية الفلسطينية منه والتنكر لهذا الجانب من القرار بقوة الاحتلال العسكري وارتكاب المجازر وتشريد الشعب الفلسطيني.
وعلى الرغم من أن النظام الرسمي العربي وجامعة الدول العربية أعلنت رفضها لقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة لفظاً، إلا أنها فعليا لعبت أخطر أدوارها التاريخية التآمرية لضمان تقسيم فلسطين، ليس على أساس قرار التقسيم، وانما على أساس المشروع الامبريالي وفي خدمته ، على حساب قيام الدولة العربية الفلسطينية ولو على جزء من فلسطين.

قرار التقسيم وموقف الشيوعيين
وجاء قرار التقسيم ليطرح معادلات معقدة أمام الشيوعيين العرب واليهود، فالخيارات المطروحة بعد صدور القرار لم تعد بين بديل الدولة الديمقراطية العلمانية لجميع سكان البلاد حسب برنامج عصبة التحرر الوطني المطروح منذ العام 1944، وبين بديل التقسيم وفق قرار الأمم المتحدة رقم 181، كما أن الخيارات لم تعد بين مشروع الدولة الديمقراطية ثنائية القومية ، كما طرحه الحزب الشيوعي الفلسطيني بعضويته اليهودية، وبين قرار التقسيم . فالبدائل المقررة التي لاحت في أفق فلسطين المتكدّر بدءا من نهاية العام 1947، كانت الخيار بين تقسيم فلسطين الى دولتين يهودية وعربية وفق قرار الأمم المتحدة، وبين نكبة الشعب الفلسطيني.
أن جوهر الصراع الفعلي في فلسطين منذ شباط العام 1948 تمحور حول السؤال الأساسي الذي يعمل مؤرخو البلاط الامبريالي والصهيوني والرجعي العربي على إخفائه، وهو السؤال حول أي تقسيم ينبغي تنفيذه في فلسطين، هل هو التقسيم على أساس قرار الأمم المتحدة رقم 181، الذي يضمن انهاء الانتداب البريطاني وجلاء جيوشه، وقيام دولة عربية يشكل السكان اليهود قرابة 10% من سكانها من جهة ، وبجانبها دولة يهودية يشكل الفلسطينيون العرب أكثر من 45% من مجموع سكانها ، ويمنع المس بأرضهم وممتلكاتهم، ويمنع نقلهم من أماكن سكناهم وتهجيرهم، ويضمن وحدة الدولتين الاقتصادية وتطوير اقتصاد مشترك للدولتين،(وهي الأسس التي قام عليها قرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة في 29 نوفمبر 1947) من جهة، او أن يتم بالمقابل التقسيم بناء على إسقاط قرار التقسيم رقم الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة، واستبداله بمشروع تقسيم إمبريالي بديل، في صلبه حرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير في دولة عربية ولو على جزء من فلسطين ، وتنفيذ مؤامرة الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية القاضية _ ليس بتقسيم فلسطين – وانما بتقاسم الأراضي المخصصة للدولة العربية الفلسطينية، بين الدولة الصهيونية، وبين إمارة شرق الأردن قاعدة الاستعمار البريطاني من جهة والحاق الضفة الغربية بها، ووضع قطاع غزة تحت الادارة العسكرية المصرية والقضاء بذلك نهائيا على طموحات الشعب العربي الفلسطيني في التحرر والاستقلال وإقامة دولته الحرة المستقلة.
في ظل هذه الخيارات تحمّل الشيوعيون العرب واليهود ، مسؤولية تاريخية عندما قبلوا بقرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة بالرغم من موقفهم التاريخي المثابر الذي حذّر من التقسيم ورفضه حتى اللحظة الأخيرة، لقد قبل الشيوعيون بقرار التقسيم ليس باعتباره قرارا جيدا وعادلا، وانما باعتباره في هذه المرحلة الدقيقة الناشئة ، يشكّل الفرصة الوحيدة لإنقاذ حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. (الحزب الشيوعي الفلسطيني بعضويته اليهودية عارض التقسيم وحرّض ضده حتى صدور القرار في 29 نوفمبر 1947، أما عصبة التحرر الوطني فلم توافق على القرار الا بعد 18 شباط 1948)،
أما الأوهام التي علقها الآخرون على الفرج العربي فقد قادت الشعب الفلسطيني الى مهاوي الاقتلاع والتشريد والنكبة ، بعد أن صادرت جامعة الدول العربية الموالية للاستعمار، القرار السياسي الفلسطيني واستحوذت عليه برضى القيادة التقليدية الفلسطينية التي تمّ جرها في حينه الى الاندماج في سياسة الجامعة العربية برغم عمالة هذه الأخيرة وتواطؤها مع الاستعمار .

عصبة التحرر الوطني حددت المهمة في وثيقتها التاريخية منذ أيلول 1948،

لماذا يجب أن نناضل في سبيل الدولة العربية الفلسطينية؟

جاء تحليل عصبة التحرر الوطني للواقع الفلسطيني من قلب النكبة ومن قلب الجرح الفلسطيني النازف في أيلول 1948، ليقرأ طبيعة الثمن الهائل الذي دفعه الشعب الفلسطيني نتيجة العجز الذي أبدته قيادة الحركة الوطنية التقليدية، التي وضعت القضية الوطنية الفلسطينية في أيدي النظام العربي الرجعي المتمثل بالجامعة العربية الموالية للاستعمار بدلا من الاعتماد على الطاقات الوطنية المعادية للامبريالية والصهيونية والرجعية العربية داخل الشعب الفلسطيني لإنقاذ حقه في تقرير المصير والتحرر والاستقلال.. وكانت عصبة التحرر الوطني في ايلول 1948 القوة الفلسطينية ربما الوحيدة التي تضع أمام الشعب العربي الفلسطيني الطريق الى انقاذ حقوقه الوطنية ودور قواه الوطنية الحقيقية في وقف وقف النكبة والعودة الى الوطن والنضال في سبيل الدولة العربية المستقلة.. على أساس التمسك بقرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة والتصدي لمشروع التقسيم الذي اختارته الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية الموصل الى نكبة الشعب الفلسطيني . وجاء في وثيقة العصبة الصادرة في حيفا في أيلول 1948، في إشارة الى طبيعة الخيارات المطروحة تجاه قرار التقسيم: “كان في مقدور شعبنا أن يتجنب هذه المأساة المفجعة التي نجح المستعمر في جرها على شعبنا . وقد رسم حزبنا – عصبة التحرر الوطني – الطريق الى ذلك .
فمنذ أن أقرت منظمة الامم المتحدة إلغاء الانتداب وجلاء الجيوش الاجنبية وإنشاء دولتين مستقلتين عربية ويهودية في فلسطين والاحتفاظ بوحدتهما الاقتصادية، منذ ذلك الوقت نبه حزبنا إلى أن قبول هذا القرار هو الطريق الوحيد في الوقت الحاضر لطرد المستعمر بلا رجعة من بلادنا (وإن كنا نؤكد أفضلية قيام دولة يشترك فيها العرب واليهود بالحكم) هو الطريق لتحقيق أماني العرب واليهود القومية في الاستقلال والحرية .
أما الاستعمار الذي دأب منذ إعلان قرار الأمم المتحدة على إحباطه، لما في تحقيقه كاملا وبطريقة سلمية من تهديد لمصالحه ومراكزه فإنه لم يمكّن شعبنا من الافلات من المجزرة التي رآها ضرورية لتنفيذ خطته وبرنامجه ، فبواسطة مأجوريه من الزعماء وأعوانه من رجال جامعة الدول العربية أثارها حربا قومية في فلسطين لم تبق ولم تذر ، أوصلت شعبنا وبلادنا الى هذه المأساة التي نعاني من جرائها الأمرّين.
وإذ أشار حزبنا في السابق الى الطريق التي كان على شعبنا أن يسلكها لكي يتجنب هذه المآسي والمصائب ، والتي أثبتت الحوادث صوابها واستقامتها، فإن حزبنا يشير اليوم الى الطريق التي يجب على شعبنا سلوكها للخروج من المحنة غير مقهور، حرا عزيزا، لا يلدغ من جحر الرجعية والاستعمار مرتين. ولا يكتفي حزبنا بالإشارة الى هذه الطريق، بل يسير فيه غير هيّاب ولا وَحِل يتقدم الصفوف الشعبية الى أمام والى أمام دائما !
إن طريق الشعب هي طريق الحياة، هذه هي طريق حزبنا .. إن هذه الطريق هي النضال في سبيل إقامة دولة عربية في القسم العربي من فلسطين على أساس قرار منظمة الامم المتحدة، دولة مستقلة ديمقراطية تقوم على أساس التفاهم والتعاون بين الشعبين العربي واليهودي، تلك هي الطريق لانقاذ المجتمع العربي الفلسطيني مما يتهدده من فناء وانقراض . تلك هي الطريق للقضاء على خطط الاستعمار ، ليس في فلسطين فحسب، بل في جميع أنحاء الشرق العربي أيضا. تلك هي الطريق لتأمين السلم الصحيح والعادل في الشرق الاوسط.
فلتكن هذه الآلام والمآسي التي حلت بشعبنا بوتقة تصهره فتنقيه من الشوائب وتسكبه خالصا من الطفيليات، فبالآلام والدموع تولد الامم من جديد وتشق طريقها نحو النور والحرية والمجد “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى