حكايا من القرايا ” ضيفة الصباح “

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

صلّى الفجر، وتربّع يستغفر الله ويهلل… لبس روزته الزيتيّة، واستعد للخروج، سيسافر إلى المدينة… لزيارة صديقه أبو جميل، الراقد في المشفى، أحضرت له أم خالد قهوة الصباح، شربها تحت معرش الدوالي، وهو ينظر إلى القطوف المتدلية، وكأنها نجوم حلوة تجمعت في لوحة… أحضرت له أم خالد صحناً من (المفروتشة) التي يحبها، فأكل الخبز العويص المُغرّق بالزيت والمعفّر بالسكر…

أخرج ساعته من جيب الروزة، فتحها، ونظر فيها… قال لأم خالد: (تلقشْنا) يا مرة… هسّا الباز بقطعني… وهات دبّرها بعدين… من يومين ما شقّيت على أبو جميل… الله يقّومه لولاده بالسلامة… يا رب. ولاده بعدهم قطاطيم لحم… قالت أم خالد، وهي تحاول مجالسته أكثر… يا زلمي بعده الظوّ ما شقشق، والعصافير ما زقزقت… ولْ بدّك تسرح سرحة العورة ع المتشحلة… قبل الشحادة وبنتها…  بدري يا رجال… قال أبو خالد، وهو ينظر إليها بحنيّة: بدري من عمرتش إن شا الله… ولبس مداسه، وهمّ بالخروج…

قبل أن يصل بوابة الدار، كان ضرب على خوخة الباب، ضرب لطيف، طَرقُ الباب في الصباح الباكر، يوحي بأمر كبير… قد يوحي بمصيبة ما… بخطر ما… بمأساة… همس: الله يستر، سترك يا رب… فتح الباب، كانت أم عنبر خلف الباب، صبّحت بالخير، لكن يبدو في وجهها انكسار غائم، وتدور عيناها في محجريهما المبلولين، وكأنهما تسبحان في الدموع، تفضلي، تفضلي يختي… فوتي… أم خالد، أم خالد… نادى زوجته… هاي أم عنبر ع الباب… (دشعت) أم خالد مؤهلة مسهلة… ومسكت يد الضيفة الصباحيّة وأدخلتها… أنا مش جاي أظّيّف يختي يمّ خالد عساعة هالصبح… ولا جاي أأخركم عن اشغالكم… جمدت قامة أبو خالد أمام ضيفة الصباح، وفتح أذنيه تجاهها، وحدّق بها… ابني، قالت أم عنبر… خير مالو؟ قالت أم خالد… ما عليه شر… لا يختي، هو مليح… بس (انتشسر) عليه خمسين نيرة من قسط الجامعة، التحقنا يخوي أبو خالد، واليوم آخر يوم للدفع، وتحيرت يا خوي، وشايف الدنيا قد خرم الإبرة… وبعت يختي اللي فوقي واللي تحتي… ما ظل حيلتي إشي،  وبدّيش أثقلها عليكم، إذا ما بتقدروا تساعدوني أنا معذركم…

لم تكن العائلة تملك المبلغ… واللي تحت البلاطة خلص، وهم ينتظرون موسم الزيت، نظر الرجل في زوجه، ونظرت فيه… وكأن كابوساً حلّ به… وتأتأ كلمات غير واضحة… لكن أم خالد (شلحت جوز المباريم) من معصميها، وناولتهما أم عنبر… نزلت دموع أم عنبر بغزارة، وهي تعانق أم خالد… ونزلت دموع الرجال… دموع فرح ورجولة… وابتسمت أم خالد كوردة تتفتح في نداها، وغادر أبو خالد إلى المشفى، بعد أن أخرج ساعته ونظر فيها…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى