نصر كالهزيمة
د. خضر محجز | فلسطين
يقول جاك ديريدا: “إن الأيديولوجيات تبدأ في الانهيار عندما تصل بمنطقها إلى حدودها القصوى”.
يبدو أن الحرب الأخيرة أوصلت سلطة المقاومة في غزة إلى حدودها القصوى، إذ استنفدت مقولات الأيديولوجيا الإسبرطية منطقها، بوصولها إلى نقطة جعلت الغرب والصهيونية يقفون ويفكرون مليّاً فيقولون:
ـ ماذا بعد؟
لقد جاء الانقلاب قبل خمسة عشر عاماً، هدية من السماء لإسرائيل وسادتها الكبار، إذ أوقف كل خطوة يستطيع أن يتقدم بها السياسي الفلسطيني إلى الأمام. والحجة:
ـ أنت لم تعد ناطقاً باسم الكل الفلسطيني، دعنا نر إن كان رفاقك في غزة يوافقون على ما تقول، لنتمكن من استعادة الكلام على المستقبل.
ولطالما تَكَهَّنتُ بأن هذا له عمر، ولن يدوم، لأن إسرائيل غبية.
نعم اليهود بصفتهم قوم أذكياء بحكم الطبيعة، هم أشد الناس غباء بحكم الثقافة، إذ رأوا أن ذكاءهم طالما خدمهم، فتيقّنوا أنهم لا يُغْلَبون.
قلت ذلك مرة وأنا أعبر القناة:
ـ هؤلاء لو لم يكونوا أغبياء، لتفاوضوا مع مصر فور احتلالهم سيناء، ولانسحبوا بأكبر المكاسب. لكنهم نظروا إلى القناة، فرأوها أعظم سد مائي يعجز البشر عن اقتحامه، فاطمأنوا، بل ووصلوا باطمئنانهم إلى حدوده القصوى، حين ظنوا استحالة عبور المصريين القناة.
ولو قرأوا التاريخ وفهموا حكمته العظمى، لسألوا أنفسهم:
ــ أهذا السد المائي، أقتحامه أصعب، أم حفره بالأيدي؟
ولوجدوا الجواب حينئذ.
لكنه غباء من يرى نفسه الأذكى.
إسرائيل الآن تواجه الحقيقة التي أجَّلَتْ رؤيتها: لقد أفاد إسرائيل انفراد أهل الانقلاب ببعثرة الموقف السياسي الفلسطيني، لكن كان على إسرائيل بالمقابل، أن تدفع لذلك ثمناً، ألا وهو إدخال الفهد إلى البيت، بحجة أنه تم تدجينه في السيرك.
في لحظة ما سيستعيد الفهد غريزته، ويهاجم من في البيت.
هنا يكون الفهد قد استنفد حدوده القصوى في الحياة. هنا تتجمع قوة ساكن البيت والجيران والدولة على قتله.
إن قومي في غزة لا يفكرون، خصوصاً حين يرون أنفسهم خالد بن الوليد، ويرون أمريكا مجرد دولة بيزنطة في سنوات الأفول.
يا لحمق الأيديولوجيا كم يفعل من الأفاعيل!
والخلاصة أنني أتوقع أن وقت دولة الانقلاب ينفد، بهذا النصر. إنه نصر كالهزيمة للأسف.
هأنذا مرة أخرى أغرد خارج السرب.