نساءٌ عراقيات غيّبتهن الدّراسات الاجتماعية
د. موج يوسف | أكاديمية وناقدة عراقية
عصورُ ما قبل التاريخ كانت تحتفي بنظام الأموميّة، ومن بعدها جاءت حضارات العراق القديمة السومرية والبابلية، والآشورية واعتتقت عبادة الآلهة الأمّ، وهذا دليل على الحظّوة الرفيعة التي تمتّعت بها المرأة الرافدينية.
وقد احتلتْ كلّ العوالم التي تُزهر الحياة من تميّزها في مجال الأدب والموسيقى، والإلوهية، والتشريعات القانونية حتى تخصصت بمهنة الكتابة وظهور لغة سمّيت بلغة النساء.
والخرائط، والتماثيل، والرسوم البيانية تثبت هذا الأمر. وبعد التاريخ هل بقيت المرأة الرافدينية بهذه الحظوة؟ تقدّم لنا الدكتورة لاهاي عبد الحسين دراستها بعنوان (نساء عراقيات وجهة نظر اجتماعية)، والصادرة عن دار المدى النساء بصورة عامة في البلدان النامية وغير النامية على مستوى العمل ، والتعليم ، والتأمين المعيشي . وتفرد جزئية لتعليم النساء في البلدان الإسلامية وما جاورها فقد تميّزت نساء هذه البلدان بأعلى معدلات الأميّة فما السبب بذلك والإسلام حثّ على العلم؟
السبب من وجهة نظر المجتمع الذي يؤكد على مفهوم «عذريّة المرأة وإقامة النساء لعلاقات غير أخلاقية محرم دينياً ومرفوض اجتماعياً لأنه يعرض سمعة العائلة للتجريح في المجتمع»(ص35).
وقد نشترك أنا والقارئ بسؤال عن الأميّة هل مازالت مزروعة في رحم المجتمع في وقتنا الحاضر؟ قد يستغرب أحد القرّاء إن اعترفنا بوجودها وبشكل كبير، سيما بعد الحروب والصراعات التي جثمت على صدر العراق، فصارت البنت تُجبر على ترك التعليم أما لأجل الزواج وهي غير مكتملة السّن القانوني بعد أن أباحه التشريع المذهبي بهذا الشيئ، أو تكون سلعةً تجاريةً تغزو الشوارعَ متسولةً أو بغاء وهذه الظاهرة قد طوّقت بغداد من كلّ جانب، وعرّت دُعاةَ الديمقراطية من كلّ دعواتهم في إنشاء بلد سعيد.
والأمر الذي زاد من عمق أزمة المرأة هو عزوف الدراسات الاجتماعية عن تناول المرأة بشكل خاص إذ ترى د. لاهاي «لاوجود لدراسات اجتماعية مركزة عموماً فيما يتعلق بالمرأة بالعراق، ناهيك عمّا يمكن أن يقال بشأن دراسات الخاصة بقضايا التميز الجنسي على وجه التحديد بدلاً من أن يشار إلى المرأة إشارات عبارة في معرض دراسات تناولت موضوعات سياسية وثقافية» نلاحظ أن د. لاهاي تضع الباحث أمام عيوب بحثيّة ملتصقة بالدراسات التي أهملت قضايا المرأة الاجتماعية، وكان التميز الجنسي الذي أشارت إليه حتى في الدراسات، وهنا تفتحُ المؤلفةُ أبواباً للباحث الاجتماعي لتناول هذه القضايا بشكل خاص ومستقل.
وقد طرحت قضية التميز الجنسي ضد المرأة بالعراق ورأت «أن هناك دليلاً لا لبس فيه على وجود ظاهرة التميز الجنسي ضد المرأة في العراق في مجال المنشآت الصناعية الكبيرة ومشاريع الماء والكهرباء ومؤسسات الدولة»(ص106).
وتشير أيضاً «أن التميز الجنسي عموماً والمرأة خصوصاً إذا ما مورس على نحو متعنت أبعاداً شخصية واجتماعية ترتبط بمواقف إنسانية وأدبية ومعنوية هامة سواء كان ذلك في مجال العائلة أو مدرسة أو العمل لقاء أجر خارج المنزل يلاحظ خطورة المشكلة ترتبط بصعوبة حلّها كلما تقادم الزمن وتوالت الأيام»(ص 107).
قضية التميز الجنسي واللاحلول لها كما رأت الدكتورة أن الأبواب مقفلة في معالجتها. لكننا نرى يمكن التخلص من التميّز إذا تحررنا من القوانين الفقهية، والعمل بقانون مدني يحمي المرأة والطفل فضلاً عن بثّ التوعية الاجتماعية وهذا الأمر ليس مستحيلاً لكنه ممكن ويتطلب سنوات عجاف حتى نحصد سنابله.
بعد الحروب والاضظهادات تضررت المرأة، فكثرت النساء الأراملـ ترى الدكتورة لاهاي إن النساء الأرامل التي تمّ شمولهن بالمسح الميداني فقد «كانت في الأعم الأغلب تقدم المنظمات لهن خدمات ثانوية تحاول من خلالها المساعدة على عمل أو تشجيع للتقديم للحصول على راتب من الرعاية الاجتماعية، فالمساعدات المادية المقدمة شحيحة إلى درجة لا يمكن إغفالها وهي وإن قدمت فهي لا تكاد تعالج جرحاً ولكنّها تعطي أملاً ضئيلاً» (ص162).
فحتى المنظمات التي تدّعي أنها تقف إلى جانب المرأة فوقفتها خجولة جداً في حين أن المؤلفة تشير إلى الدوائر الحكومية مثل مجالس المحافظات والبلدية التي لا تكاد تضع المرأة بالحسبان، فترى إن «ما يتعلق بوزارة شؤون المرأة التي تقوم بنشاطات إعلامية بين فترة وأخرى هدفها العمل على تجميل الحكومية والتخفيف من حدّة الانتقدات الموجهة إليها من قبل شخصيات ومنظمات المجتمع المدني « ص 164¹.
المرأة العراقية حتى وأن ظّنت أنها حظيت بشيء من حقوقها فهي مسلوبة منها، لأنها تعامل على أساس ربحي وواجهة إعلانية لمصالح شخصية وحكومية وهمية. وما عملته الحكومات ايضاَ هو إقصاء حقّ المرأة بالمرأة وهذا ما فعلته وزيرة شؤون المرأة د. ابتهال كاصد الزبيدي كتاباً رسمياً حمل عنوان: (توصيات اللجنة الوطنية للنهوض بالمرأة العراقية يدعو إلى عدم إرتداء البدلات الضيّقة والتنورة، وإرتداء البنطلون والتسريحات والفساتين الواصفة المعالم وأخيراً منع ارتداء القمصان المبهرجة والألوان اللماعة»(ص162).
المرأة التي توظّف ضمن أجندة معينة فهي تكون ممثلاً عن أفكارهم، وهكذا قرارات تكون لإرضاء لمن تعمل عندهم ، تسلب حق ممّن هن بمثل جنسها، وهكذا امرأة تأتي بمثابة القشة التي قسمت ظهر حفيدات إنانا الإله والملكة.
لم تغب نساء القرية عن بحث د. لاهاي فبعد دراسة ميدانية فرأت «أن النساء الريفيات يفتقرن إلى أي ضمانية إقتصادية حقيقية خارج قدرتهن البدنية والفكرية على عمل اليومي المثابر.
فعلى الرغم من مساهمتهن الواضحة في إدارة شؤون العائلة بدليل عملهن من دون أجر ما بين 10 و12 ساعة فإنهن لا يملكن شيئاً على الإطلاق.. فعندما يتغير مزاج الزوج فإنه سرعان ما يستخدم سلطة الاقتصادية ليهدد الزوجة بالطرد.
إن المرأة الريفية تحيا حياة يعوزها الكثير من مقومات تطوير الوعي الشخصي والاجتماعي ولدورها ومكانتها كإنسان» ص 183.
تبدو موضوعة المرأة مازالت شائكة والذين درسوها ظنوا أنهم فهموا الدرس، لكن د. لاهاي ترى في دراستها أن المرأة بالعراق لم تأخذ حقّها على البحوث والدراسات بشكل مستقل ومستفيض