في انتظار غودو 

د. ريم سليمان الخش | فرنسا

فكرة الانتظار مستوحاة من المسرحية العالمية مع اختلاف في الحوارات وفي النهاية… غنائية شعرية بين شخصين وشيخ
الشخص الأول:
لو أنَّهُ آآآه من جُرحينِ لم يَصِلِ
مَــازلتُ أخلَــعُ ثَوبَ اليَأسِ في خَجَلِ

مَازلتُ أزرعُ ضَوءَ الوردِ في رئتي
وأشعلُ الصدرَ مصباحَينِ مـِـنْ أمَـــلِ

الشخصُ الثَّاني:
حتمًا سَيَأتي.. ألم تَلمَح مطيَّتهُ؟
لعلَّه الآنَ بين السَّهلِ والجَبَلِ

الشخص الأول:
قالوا سَيَأتي …بَلَى مازلتُ منتظِرًا
نورًا تلألأَ ملءُ الرُّوحِ والمقلِ

تمُرُّ ذُروتُه أدنَى توجُّعِنا
كَمَا تَمرُّ نقَاطُ الشَّوقِ في الجُمَلِ

كمَا يُلامسُ نزْفَ النَّايِ وجعَ دَمِي
فيُرسِلُ الدَّمعُ موَّالينِ في عَجَلِ

كما توشوش قوسَ اللحنِ رغبتُها
إلى الكمنجَةِ بالإحساسِ تعزفُ لي

الشخص الثاني:
قالوا تُلفّح نارَ الوجدِ حضرته
ففي الحنَايا قنَاطيرٌ من الشّعلِ

وفي المَرايَا رُؤًى تجتاحَ عالمَنا
حتَّى يزركشَ في وُدٍّ وعن كمَلِ

يُفَوّح العشقَ قمصانًا مزركشةً
ويوشمُ الروحَ مليارينِ من قُبلِ

به تُرّد مياهُ العَينِ ناضرةً
به ترقرقُ أنهارُ الهوَى الخَضلِ

وجٌه زُلالٌ بلون النَّهر طلّتُه
يداعبُ القمحَ في حلٍ ومرتَحلِ

كم أشتَهي المَاءَ غرفًا من عذوبتِهِ
جرارَ روحي قد دفَّت من الأزلِ !!

مازلتُ أرقبُ هدرَ النَّهرِ مبتهلًا
لقد تعبتُ برتني حدَّةُ الملَلِ

أحتاجُ طلَّتَهُ النَّجلا لترسِلَنِي
مثْلَ الشُّعَاع مشاويرًا إلى زُحَلِ

أحتَاجُ لمسَتَه الخضرا لأزرعَها
بين الضُّلوعِ حواكيرا من السُّبلِ

أحتاجُ غسلَ عُروقيَ في صبابتِهِ
حتَّى أحلقَ مثل العاشق الثَّملِ

حتَّى أشيدَ على كَفِّ السما سَكنِي
معابدَ الحُبِّ من إكسير من غَزَلي

الشخص الأول:
ها نحنُ ننتظرُ البُشَرى بلا كَلَلِ
عَلّ الأماني مطايا ذلك الرَّجُل

دهري عتيٌّ وأوجاعي بلا عدَدِ
قلبي علِيلٌ ولا أقوَى على العِللِ

أعلِّلُ القلبَ مُشتَاقًا لمَوعِدهِ
وأرتُقُ الجُرحَ في خَيطٍ من الأَمَل

حَلوى انسكابيَ بالآلامِ مؤتكلٌ
مثل الذُّبَاب على صحنٍ من العَسَلِ

أضاجعُ الحُزنَ لايَبغِي مبارحَةً
أن لامساسَ لأفراحٍ على دَخلِ

إنْ فاضَ دَمعيْ أسًى باعدتُه بللًا
لكنَّ هِجرته عُسرٌ عَلَى وكِلِ

أقولُ للغَمِّ لاتركلْ حصاةَ دَمِي
امشِ الهوينى كضيفٍ غير منتعلِ

“غودو” سيأتي كطُوفَانٍ تطيحُ بهِ
فحرر الجسمَ من رجليكَ وارتحلِ

سيغسلُ البيدَ من غلّ القَتام بها
من كُلِّ أزعرَ أو خوّانَ أو نغَلِ

إنّي سئمتُ خياناتِ الرفاق وما
تُخفي الصدورُ سِوى إيذائهِا الدّغلِ

أحتاجُ دفقًا من الأنوارِ يغسلُني
من الخَطَايا ومن غَيِّي ومن زلَلَي

الشخص الثاني:
إنِّي الشقيُّ أضاع الركب قريتنا
ماعدتُ أعرفُ أيُّ البيدِ تشهدُ لي!!

أمّي السهول وماءُ النهرِ يقربُ لي
سريريَ الأرض؛ في غارٍ على الجَبَلِ

ألتاعُ أرتاعُ من لَيلٍ بلا أُنَسٍ
فصحبَةُ الأنس دونَ النَّفع لم تطُلِ

أحتاجُ وُدًّا عميقَ الجذرِ مُدَّتُهُ
منذُ الولادَةِ حتَّى المَوتِ لم تزل

دونَ البراويزِ وَجدًا عينه اتَّسعَتْ
كما اتساعُ عيونُ الله في الرُّسُلِ

أحتاجُ حبًّا عظيمًا لاقيودَ له
فوقَ الطَّوائف والألوَان والمِللِ

بعد سنة وعند صخرة الانتظار في السهل المعتاد:
الشخص الأول:
شيخٌ مهيبٌ بقُربِ الحورِ يرقبُنا
لعلَّه القادمُ المرجوُّ من أزَلِ!!

(عَقِيقُ حنجرةٍ ألقَتْ محَبَّتَهَا
عَلَى عُيُونٍ كمَا الياقوت لَمْ تَملِ

كانتْ عَصَاهُ عَصَى موسَى وخاتمه
زُمُرُّدُ الملك في فَصَّين مِنْ زُحَلِ )

الشخص الثاني:
أأنت (غودو) أم البشرى افتعالُ سُدى؟
بعد انتظارِ عتِيّ الوَقْتِ لَمْ يَصِل!!

الشيخ الجليل:
مررتُ بالقَومِ نار الضَّيفِ ترقبه
(غودو) الرَّسولُ على طيرٍ من الظللِ

إنْ ترتجوا مددًا من محضِ أخيلَةٍ
فلَنْ تعُودُوا بغيِر الهُونِ والفَشَلِ

فأغدق الحب ..أنت الحب في رجلٍ
أنتَ الصَّفي وللأحياء قم فصلِ

وكلّما أينَعَت ثمراتُ وُدّكُمُ
جَلَّ السَّلام وقلَّ العاطلُ النغلِ

فاسعَوا مع الفَجرِ والأعشاشُ صَاحِيَة
هل يُرزقُ الطَّيرُ دونَ السَّعي والنَقَل؟

منابِعُ الخَيرِ في أرواحكُمْ وبهَا
تُروَى القلوبُ بلا شَكٍّ ولا جَدَلِ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى