حين نغادر مراوحة المكان
بقلم: عدنان الصباح
بعكسنا ينشغل الاحتلال ومؤسساته بكل الاحتمالات الممكنة للغد المشترك فهو يبني تصورا حول كل احتمالية ممكنة أرادها هو او لم يريدها لكنه يحضر نفسه لكل احتمال وكانه ممكن فهو الى جانب انشغاله العميق بمسائله الداخلية والجبهة المفتوحة على مصراعيها مع إيران وخطر حزب الله المحتمل من لبنان واستعداده لأي خطر قادم قريبا او بعيدا من سوريا لا يسهو ابدا عن أخطر الجبهات بالنسبة له وهي الجبهة الفلسطينية بكل تضاريسها الجغرافية والسياسية فلا يبتعد ابدا عن جبهة الجليل والمثلث والنقب وما يمثله ذلك من خطر ديمغرافي وسياسي عليه بما في ذلك نقاء دولته اليهودية التي يريد وكذا جبهة الضفة الغربية التي يعتبرها الاحتلال مصدر هويته اليهودية والصهيونية وجبهة القدس كاهم ما لديه من مبرر ديني للوجود الى جانب اليقظة المتواصلة مع جبهة غزة كأخطر الجبهات والتي تشكل تهديدا على كل الأصعدة له ولوجوده وتشكل رافعة لباقي الجبهات في حل اشتعلت المواجهة بأي شكل من الاشكال بين دولة الاحتلال والمقاومة الفلسطينية من غزة.
حدة وتنوع الصعاب والمواجهات في أجندة دولة الاحتلال تلك لم تشغلهم عن الاستعداد جيدا لكل حالة وكل احتمال وبعكسنا تماما فان لا احد على الجانب الفلسطيني ينشغل ولو قليلا بوضع آليات واستراتيجيات وسيناريوهات للغد سواء على الصعيد الداخلي في الشأن الفلسطيني نفسه او في مواجهة العدو الوحيد وهو دولة الاحتلال او في التعاطي مع السياسة الخارجية أكان ذلك مع العرب او الغرب بالمجمل او الولايات المتحدة بالذات والقضايا أمامنا كثيرة وأيا كانت أهميتها فهي بالتأكيد ستتضاءل في حال انجز الفلسطينيون وحدتهم الداخلية وتخلصوا فعلا من حالة الانقسام والتشرذم القائمة حاليا وبأبهى صورها والى جانب الموضوع الوطني الاخطر وهو الاهم وهو الانقسام تأتي قضايا الحريات والتي فجرتها حادثة مقتل الناشط نزار بنات وتداعياتها ثم المواضيع الاقتصادية وفي مقدمتها التدخل السافر من دولة الاحتلال وامريكا في موضوعة رواتب الاسرى والتي برزت خطورتها في الاخبار المسربة عن استعداد السلطة لإعادة النظر بقانون الاسرى بل وطلبها من الولايات المتحدة بإرسال اقتراحاتها لذلك بما يعني استعداد السلطة لأخذ هذه الاقتراحات ومحاولة عمل ما يمكن ان يرضي امريكا ودولة الاحتلال.
عادة فلسطينية هي الاخطر في تاريخ قضيتنا ان نعلن استعدادنا للتنازل كما يرغب الاعداء دون ان ندري ما المقابل لذلك منذ اعلنا قبولنا بدولة على حدود عام 1967م وبعدها قبولنا التوقيع على اعلان مبادئ الحكم الذاتي الفلسطيني وهو ما يعني انه اقل من حكم ذاتي وتحددت مدته بخمس سنوات ولا زلنا حتى اللحظة نفاوض عليه منذ توقيعه عام 1993م وهذا يعني ان درسا واحدا لم نتعلمه من كل الدروس التي خضناها مع الاحتلال وحلفائه فلا زلنا على حالنا نقترح التنازل ونمارسه ولا احد يكترث لفعلنا ولا زلنا كما نحن نستاء من كل ادارة امريكية جديدة فنعيش بانتظار الامل من الادارة التي تليها ولا شيء تغير حتى اليوم منذ عقود وعقود فلا دولة الاحتلال تغيرت ولا واشنطن تغيرت ولا نحن غيرنا اليات عملنا او رؤانا للغد في التعاطي معهم.
اننا نواصل انقسامنا ونواصل ضعفنا ونواصل خلق صراعاتنا يوميا وبأشكال مختلفة ونقبل بمهمة ادارة امور حياة سلطة منقوصة ومنقسمة ومرتبكة بكل شيء بينما يواصل الاحتلال تحقيق النجاحات على الصعيد الداخلي بحماية بنائه الديمقراطي وتداولية السلطة السلمي لديه في حين نقضي نحن على أي امل بحياة ديمقراطية بالتراجع عن قرارات سابقة لصالح الحريات او بمنع أي انتخابات او تداول سلمي للسلطة ليس على الصعيد السياسي فقط بل وفي هيئات الحكم المحلي والنقابات ويحقق الاحتلال نجاحات مع الدول العربية التي تكاد تقترب من التحالف معه ضدنا نتقن نحن خسارة الاصدقاء واستعداء الجميع بلا سبب وبينما ينشغل الاحتلال يوميا بقضم وتهويد بلادنا بما في ذلك القدس وضواحيها حد بات التنازل عن عقارات القدس فعلا لا يواجه بما يستحق وباتت قضية القدس قضايا لا احد يدري من اين يبدا هذا ان فكرنا اصلا بان نبدأ فالقدس باتت قضية المقدسيين الفعلية وخطابات غيرهم من الفلسطينيين بعد ان توقفت حرب ايار هذا العام مع غزة وتحولت نتائجها الى غرف المفاوضات المغلقة دون نتيجة حتى اليوم اللهم الا الاتفاق الأسوأ على المنحة القطرية.
انهم يصنعون الحدث … انهم يرسمون الطريق ونحن نتلقى الخبر ونحن نسير في ما رسموا من طريق فإلى متى سنبقى خارج دائرة الفعل ونحن نقترب رويدا رويدا من اليوم الذي سيصبح فيه فراغ دستوري فلسطيني لنم يجد طريقه في الحل الا بانقسامات جديدة وصراعات داخلية جديدة ستجعل من قضية غزة والانقسام معها اهون الانقسامات ومن القدس نسيا منسيا ومن يهرب بيتا هذه الايام علنا سيهرب حيا حينها دون ان يرتجف له جفن او يفطن لمساءلته احد واذا لم نتوقف اليوم امام مسؤولياتنا وبشكل استراتيجي ونجيب عن الاسئلة الخطرة والمسكوت عنها وتحديدا ماذا سيجري بعد ان نغادر حالة مراوحة المكان وكيف ستكون اجابتنا العملية حينها عن الفراغ الدستوري وعن الانتخابات وتداول السلطة والحريات ووقف مهزلة الانقسام بين غزة والضفة واي الاليات المتفق عليها وطنيا لمنع وقوعه فإننا ذاهبون لا محالة الى حرب اهلية سيكون الاحتلال شاهدا عليها وسعيدا بها ان لم يكن اكثر والى ذلك فان الكل الفلسطيني في السلطة والمنظمة وسائر قوى وفصائل العمل الوطني والإسلامي يتحملون وزر ما سيكون من كارثة ستودي بنا أرضا وشعبا وقضية.