من ساحات لا تحتمل أقلام كهنة شعراء العالمين.. نذهب إلى سحر الأمكنة الأدبية، وانسكلوبيديا الشاعر التونسي يوسف رزوقة
د. هدلا القصار | ناقدة وشاعرة – لبنان
لنذهب إلى الأديب والمترجم الشاعر يوسف رزوقة، وتجربته المتمثلة بعالم الأحياء المقارن، وأشكال ظهوره في قارات مختلفة، مع مراعاة الفوارق الجوهرية بين الظواهر الثقافية، والطبيعية الأدبية، التي لا يمكن أن نتجاهلها أو نتخلى عن برهنة وجود علاقاتها بالتأثيرات الأدبية المتنوعة، والبارزة في تجربة الشاعر التونسي يوسف رزوقة، الذي عكس مسيرة الشاعر البلجيكي “هنري ميشو، الذي ربطت أعماله بحبه لعالم الشرق، بعد أن زار العاصمة المغربية مراكش التي تركت بصماته الانطباعية على عطائه الأدبي”.
لنتعرف على عوالمه، وخمائر ثوراته الأدبية، ومواكبته الأحداث وقدرة على معالجة الحياة والأصوات، في نبرته البسيطة والدافئة، والمليئة بحرارة تشمل حواس المتلقي من إيقاعه الأدبي الأخضر.
أنه عبارة عن كتاب جامع عوالم الفكر والبلاغة الكونية، المتعددة المناهل والتجارب من خلال ترصده للهوية الثقافية العربية والعالمية، لقد قدم نفسه كانساناً، وقارئ، وطبيب، اكتسب من مختلف المدارس الشعرية ومنابعها الشرقية والغربية، في تجربته التعبيرية التي تتحدث عن أدوات الشاعر الفذ، صاحب الإلهام والتوجيه الثقافي الجماعي، الذي مكنه من شهوة الإبداع الراقي في تقسيماته اللغوية، من خلال مخاطبة القارئ العربي وما تستلذ عليه جنسيات ومجتمعات مختلفة، مما أعطى الشاعر رزوقة، شكلاً أدبياً حديثا في صوره الجامعة بين التاريخ والمجتمعات، من خلال سرد قصصي محمل بفكاهة ساخرة، كقصائد الشاعر الأمريكي اللاتيني “خوان زوريلادو”، ومحاولته الكشف عن تصويره للواقع المقترن بتجربة رزوقة، وأوزانه الفائضة في موضوعاته الإقليمية، التي ساعدتنا على فهم حركة نصوصه الاستكانة الرؤى، وتكنيك منهجه الحيوي، وتشكيل صور ه الانفعالية الحية، وارتباطه بمعمارية قصائده، وعلاقته بالحركة الشعرية العالمية المشبعة من وظائف الشاعر المتألق بأفكار خطاباته المتعددة الزوايا ، المنسجمة مع تشكيلات شاعريته المستقلة بذات الشاعر وفرادة تحليله لاستنطاق النفس الإنسانية، وما يلعب على مصائر البشر في الأمكنة التي تحك جدران أقلامه، وما يملك من أسئلة، وشكوى، في وصفه المشجر من معراج قوله، وديباجيات عالمه التاريخي، ومرجعياته التي تعلو على الواقع الذي يمثل الخارج، في جميع تجاربه ، وخبرات التي منحته التوغل في الغيبيات وما وراء تشوهات الإنسان والطبيعة، وظروف المجتمع واضطراباته ….
فمثل هذا الأدب العربي العالمي الواسع، والمتمركز في فضاء الكاتب وما يتميز به من وظائف بصرية وجمالية، ستبقى علومه موجودة كنموذج ثقافي في حياتنا ومخزوننا المعرفي، والمرئي، والمقروء، لمنهجه الإنساني السيكولوجي، بوصفه يحمل أدوات مرتبطة بالبيئة وحدود التاريخ…
ففي أطوار هذه الإبداعات الذاتية، حولت مؤسسة أعمال الشاعر رزوقة الأدبية المهجنة إلى ممارسة ومصطلحات موروثة من تاريخ أدب العالمي، الذي أكسبه صناعة تخضع لظروف البيئة وحاجات المجتمع… وما تحققه ثقافته المكتسبة، مما جعل من الأديب والشاعر رزوقة مؤلفا مونولوجا مخاطبا الحياة والأسئلة الوجود القلق، وتأثيرهم على الفرد داخل أعماله الأدبية، التي لا تغادر دواخل ذات الشاعر، المحمل بمعاناة الهمس الشعري وما يحيله إلى جغرافية التآخي الخفي لثقافة الشعوب، وتاريخهم المضمر في تجاربه، ليعيد للمتلقي صياغة الواقع الذي يقوم على أدوات الشاعر المعرفية الجامعة مدلول الثقافة المهجنة في منهجه الأدبي والنحوية والبلاغي، في رؤيه شمولية، وجهوده اللغوية المتكئة على قاعدة فكرية علمية ثقافية…، لنخرج معا من تجربته الشعرية الإبداعية العربية المستحدثة .
انه لخطاب قدير وبلاغي عميق، أعطى للأدب شكلاً أدبياً حديثا في صوره الجامعة بين التاريخ والمجتمعات المتقدمة، بطريقته اللاعبة على ضمير المتكلم والمخاطب في سردياته المحملة بفكاهة ساخرة، كقصائد الشاعر الأمريكي اللاتيني “خوان زوريلادو”، ومحاولته الكشف عن تصويره للواقع بأوزانه الأدبية الفائضة في موضوعاته الإقليمية التي ساعدتنا على فهم حركة نصوصه الاستكانية الرؤى، وتشكيل صور ه الانفعالية الحية، المرتبطة بمعمارية قصائده المشبعة من وظائف الشاعر، وخياله المتألق بخطاباته المتعددة الزوايا، والمنسجمة مع تشكيلات شاعريته المستقلة بذات الشاعر وفرادة تحليله، وتعمقه في النفس الإنسانية .
إذا يلعب الشاعر على تطوير المجتمع، حيث يتسرب كجنح الليل إلى كل الأمكنة، ليعتصر جميع قطاعات الحياة وأخطاء الفكر، والسياسة، والمجتمع من حوله، مما أضاف إلى نصوصه إبداعا نوعيا، وتقنيات عالية في شكل ومضمون كتاباته الشعرية والسردية والفكرية الأدبية التي قدم من خلالهم اشراقات متوهجة تجلي لنا برؤيته الجانحة لملحوظاته البصرية والحسية الملموسة من روح وأحلام وردية للإنسان في أرضه، لنجد أنفسنا نقف أمام تجربة شاعر ذات آفاق في مضامينه التي تصدر عن طاقة مخيلة الإنسان ومشاعره المكبوتة .
لذا لا بد إلا أن نترجم تقسيمات واقع الأديب والشاعر، الإنساني وانعكاس ارثه ” النوستولوجيا ” المدرع بإبداعات وتعويذات أعمال تقودنا إلى الواقع الذي يعود للتاريخ المثيولوجي، المتمثل بعبارات فوليتر:
” أن الكاتب المتمكن هو الذي يعرف كيف يطوع لغته بفكره، ويجعلها عجينة لينة، ليصنع منها صوراً مختلفة، و تمكنه من صياغة موضوعاته، كما عليه أن يختار لغته رغم قيود النحو”،
أن هذه النظريات هي التي دعتنا الذهاب بنصوص الشاعر يوسف رزوقة، للاصطياد من ذهب تكوينه البيولوجي المعايش أفكار مجتمعات مختلفة، حيث يظهر للقارئ طريقته المتحدية المضمون والمعنى الذي يليق بمقاس مركبات الإنسان، في صدى نظريات تجربته البعيدة الأفق، وإلى كل ما له علاقة بمسيرة المجتمع واضطرابات روحه بين الصوت وصداه، لمعرفة نسيج لغته ومناخها الرؤيوي ،المتواجد في ابتكار صوره المجتمعية الذاتية الحية، وسردياته المؤثرة على المتلقي والمتخيل، في تجليات الشاعر الشعرية الجديرة بالذكر، كونها مقدمة من رؤيته المستعينة بالعصر الحديث، وعلاقاته بالغرب ومستواه الإبداعي والفني، المطوع من روائع ثقافات ممتعة لتنوير الأجيال القادمة، كما يدعونا إلى مراجعة القيم الفكرية والأدبية بلغة جميلة وأنيقة، ورؤية بصرية واضحة لمستقبل الجيل الرابع، ليكون نموذجاً للأدب المتعدد في مستوياته الإبداعية، وأساليب سيرته الذاتية التي أثبتت هويته القومية، وتناصه مع نصوص شعرية مهجنة، لتشكل لوحات فنية متداخلة مع فصوله المرتبطة بوقع المجتمع العربي، المقارن باللغة الغربية، مع الفارق بين أقواس شاعر وشاعر، وعباراته المشعة على نطاق العالم العربي والدولي كما عبر في بعض سردياته ك “
(في تشخيص ما يجري )
والآن، بعد سقوط أوطان بأكملها
أيعقل أن نظلّ بـها كما لو أنّنا أصحابها؟
لم يبق شيء في مكانته ولا حتّى الـمكان
خلا الـمكان العبقريّ من العباقرة، انتهوا من حيث لا ندري و/ أو ندري سماسرة يبيعون السّماء بأبخس الأثمان والتّاريخ والجغرافيا
لم يبق للنّاجين، هذا إن نجوا، شيء يطيل العمر أو يفضي ولو بمعجزة إلى برّ الأمان
ولا أمان هنا
وكلّ سفينة نوحيّة في البحر أغرقها القراصنة..
انتهى الإحساس بالـمعنى
انتهى الإنسان شيطانا، هنا والآن، انتهت أشياء كانت أجمل الأشياء
وانتهت الحقيقة حنظلا
لا شيء يصلح للحياة هنا ولا..
لا شيء يغري بارتكاب الحلم خير جريمة للحالـمين بشبه إنسانيّة حتّى.. تأكسد معدن الأشياء
واستولى على البشريّة الشّر الـمقيم
وقامت الدّنيا ولم تقم القيامة والبلاد، بطولها وبعرضها، استولى عليها، وهي تستجدي بنيها: أن كفى، استولى على غدها، الجراد
بأيّ وجه أيّها النّاجي من الطّوفان، هذا إن نجوت، ستدخل الـمضمار؟
أنت بحكم كونك مفرغا من جاهزيّة أن تكون مواطنا أو مفرغا من محتواك مرشّح للانسحاق
ككلّ إنسان، هنا والآن، لم ير وجهه قبل السّباق وبعده
من أنت، في دستوبيا زمكانك الـموبوء؟ تسألك البلاد ولا جواب
فأنت، هذا إن أجبت على السّؤال، مجرّد من كلّ أسلحة الأنا الأعلى أو السّفلى ومن جينات من كانوا عباقرة
وتلك حكاية أخرى سيرويها سواي
14 ماي 2019
وصيّة حصريّة 4
اللّعبة انتهت، انتهى اللّعب، انتهى، من ثمّ، شوط لا تليه بداية
وعلى الـمؤرّخ أن يؤرّخ، كيفما اتّفق، الرّسالـــة، أن يؤرّخها كما شاء..
انتهينا نحن أبناء الخريطة
كيف، بالضّبط، انتهينا؟
مثلما، من قبلنا انتهت الحياة
وما انتهى، من بعدنا، اللّغط الوجوديّ، الرّتيب
وللمؤرّخ أن يؤرّخ ما رأى: عبثيّة الإنسان بين بداية ونـهاية
وعليه أن ينسى السّماء وهذه الأرض الشّحيحة
أن يلمّ هراءه في صرّة ليقول وهو مودّع: كنّا، هنا والآن، باللّونين: أبيض أسود، الشّطرنج رقعتنا الأثيرة، فوقها نحيا، نموت ولا حياة لكائن من كان في دنيا سياستها كما الشطرنج في أيدي الأبالسة الطّغاة
كأنّنا كنّا وما كنّا
وما هذا التّراث
تراثنا الـمدموغ باللّونين: أسود، أبيض
إلاّ دليل فساد مصدره
هنا والآن، للفئران أن تتلمّظ التّاريخ مهزلة فمهزلة
وللحكماء، إن وجدوا، هنا والآن، أن يتنزّهوا بين الحقيقة والمجاز
وأن يروا في الكائن الكينونة الخطأ، اليد الشّوهاء والوجه – القناع
كأنّنا كنّا وما كنّا
وما هذا الرّثاء رثاء مرحلــــة فقط نحيا مهازلها..
ففي تاريخنا الدّمويّ ما يدعو إلى ندب الخدود وما يثير شماتة الأعداء
كم كنّا وما زلنا معيزا
هكذا أستخلص المغزى من الـمعزاة في تاريخها ومن الضّباع تزيّن الـمرعى لها
أو هكذا كنّا ولم نكن..
التفتوا جميعا: لن تروا إلاّ الخراب حديقة وغراب پو
لا نار في الصّوّان
لا صوّان في الأيدي الّتي استولى على حمّى أصابعها الرّعاش
ولا كذا في أيّ شيء تشتهيه الأنفس الوحمى
الحقيقة حنظل
والنون في صحرائـها تثغو
بحرقة نعجة فرّت من المدعوّ دوللي
هكذا الأشياء تبدو
هكذا تبدو الحقيقة: أنّنا نمضي كما جئنا
فهل جئنا لنمضي هكذا
فقراء إلاّ من هراء القادرين على الهراء؟
زردة في 23 ماي 2019
بتبع