وقائع نملة.. قصة قصيرة
حسن محمد العمراني | مصر
على الصفحة الزجاجية الراكدة تسربَتْ لأعلى شاشة الموبايل، تستطلع الأيقونات الخاصة بالبرامج المعدة سلفاً. لم أنتبه إلا وهي تحاول العبث من وراء النوافذ وتتطلع للتوغل في الإمتدادات التي كانت تعمل بانسجام منذ فترة وجيزة، رغم افتقارها للتحديث. جربتُ الإمساك بها، لكنها تملصت من بين أصابعي. حاولتُ مجدداً الضغط على رأسها، لكن لم أستطع تحديد الرأس من الذيل. سأحاول مرة أخرى. دست بأصابعي كلها جملة واحدة ولم أعبأ بالمسارات التي انفتحت بعشوائية تلاطم بعضها بعضاً. تمردَتْ أكثر، وأذدادتْ عبثاً، وأصبحت تعيث فساداً بالملفات الخفية للنظام. أطحتُ بالموبايل بعيداً وأنا اتحوقل واستغفر ربي. وما كدت استدير حتى أمسك صغيري بالموبايل باحثاً عن لعبته المفضلة. ورغم محاولتي المستميتة لإقناعه أن الفارس الي يختاره للفوز في هذه اللعبة ما هو إلا لص يتلذذ بملاحقة الشرطة ويتصنع الأحاييل في الفكاك منها، إلا أن صغيري فاجئني بإتقان هذه اللعبة. اقترحت عليه مطاردة النملة التي غافلتني وتعلقت بحواف الحدود الخارجية لحافظة الموبايل الجلدية، لكنه لم يهتم؛ بل أطلق كلامه كالرزاز متعجباً: ” ما هذا العبث يا أبي! اتريدني أن أحارب نملة؟ فبيتنا كله نمل وكأنها ماسورة وانفجرت. دعك مني وحارب أنت وحدك من تشاء. دعني أفجر هذه الحافلة…نعم لقد تفوقت..سأدمر هذا البرج..هاهاها…!” لم أتمالك أعصابي. صرخت في ولدي وتناسيت كل قواعد التربية. تباً لهذا الهراء! النمل يتوغل في كل أركان البيت… في الأجواء والأواني وملاءات السرير. هرعتُ نحو الشارع وأنا أهتف: ” يسقط النمل…يسقط النمل”، والمارة يرصدونني وهم يفتحون أفواههم ويتعجبون.