لا
د. أسماء السيد سامح | مصر
دفع الباب ودخل دون استئذان.
أخبرني أن اللحظة قد حانت، ولا بدّ أن أكون قد توصّلت لقرار، فـ”هو” لا يحب اللجاجة والحبال الطويلة، ومع أنه لا يقبل “لا” كإجابة نهائية، فلا يزال بإمكاني أن أختارها، شريطة أن أكون قد رتّبت ورقي جيّدا، وتجهّزت لسدِّ الثغرات جميعها، فهي مساحة اختيار نهائية لا تقبل المساومة.
طلبت منه سيجارة، وفركتها جيدا قبل أن أشعلها، ثم قلتُ له وأنا أنفث دخانها في وجهه:
– لماذا يعطي الأمر كل هذه الأهمية؟
قال إنه يفعل ذلك من أجلي، فهو يريد أن يعلّمني درس العمر.
ضحكت حتى “شَرِقت” وقلت له:
– ألم تكف كل الدروس التي تلقيتها؟ ثم ما قيمة درس جديد لمُوشكٍ على المغادرة؟
همس، وهو يختلس النظر للباب:
– هذا أهم درس، وقليلون من يحظون بالفرصة لتلقيه.
هززتُ كتفي باستخفاف، ورفعتُ من طبقة صوتي وأنا أقول له:
– حسنا، الإجابة هي لا. كبيرة ونهائية وسوداء ومُطلقة وعنكبوتية بطول الأرض والسماء والحلم.
تراجع للوراء، لم يستطع إخفاء دهشته، لملم نفسه وبدأ يلوذ بالخروج.
قبل أن يغيب تمامًا، التفت بتردد، قال بصوت ضعيف: ألا يمكن أن…
قاطعته: لا تستحق.
وبينما أفرم مزيدًا من الأوراق، اختلط صوت صافرة قطار برنين موبايل بسقوط جنيه فضي على سيراميك بارز بتحطم كأس بصراخ طفل بنعيق غراب يعبر هذه المنطقة البائسة من العالم مصادفة برائحة عطرها اللاذعة بتوبيخها وهى تترك يدي في عنف وتقول بحرقة، فيما تنهمر دموعها التي لن أتذوّقها ثانية لآخر العمر، إنها ليست أمي لتؤمن بنبوّتي وتتبع ديني الجديد!