الحُسين مالئ الدُنيا وشاغل الناس
عبد الله الميالي | العراق
أثبت الواقع ودعمته التجارب عِلميّاً واجتماعياً مدى تأثير الأب والأم على أفكار وتصرفات أولادهم في مرحلة الطفولة، فالطفل يحاول أن يقلّد تصرفات الأب والأم في كل شيء، سلباً أو إيجاباً، بحيث تبقى ذكريات الطفولة التي عاشها الفرد مع والديه عالقة في ذهنيته حتى عندما يصل إلى مدارك الشباب والرجولة والكهولة.
هناك العديد من الأدباء العرب الذين كتبوا عن شخصية الإمام الحسين، جاءت كتاباتهم نتيجة لارتباطهم بهذه الشخصية التاريخية منذ طفولتهم، بسبب تقليدهم الأهل في استذكار الإمام الحسين أو زيارة ضريحه.
نقف هنا مع ثلاثة من أهم الشخصيات الأدبية العربية في القرن العشرين، لنستطلع ذكرياتهم الطفولية مع الحسين.
1 ــــــ كتب الأديب المصري عبد الرحمن الشرقاوي في مقدمته لمسرحيته الشعرية (ثأر الله) وهو يُهدي كتابه المسرحي إلى أمّه:
“إلى ذكرى أمي التي علّمتني منذ طفولتي أنْ أحبّ الحسين، ذلك الحب الحزين الذي يخالطه الإعجاب والإكبار والشجن، ويثير في النفس أسى غامضاً، وحنيناً خارقاً إلى العدل والحرية والإخاء وأحلام الخلاص.” الحسين ثائراً، عبد الرحمن الشرقاوي، ص5 ، مطبعة مؤسسة روز اليوسف، القاهرة – 1977
2 ــــــ أما الروائي الكبير نجيب محفوظ، فيشير في مذكراته التي أدلى بها للناقد رجاء النقّاش، عن تأثّره بأمه بزيارة ضريح الإمام الحسين:
“كانت متعتي الروحية الكبرى هي أنْ أذهب لزيارة الحُسين .. كنتُ دائم التردد على حي سيدنا الحُسين، وقد ورثت ذلك عن أمي – رحمها الله – كانت كل صباح تركب العربة التي تجرّها الخيول وتذهب لزيارة الحُسين .. كانت أمي سيدة أميّة لا تقرأ ولا تكتب، ومع ذلك كنت أعتبرها مخزناً للثقافة الشعبية، وكانت تعشق سيدنا الحُسين وتزوره باستمرار، وكانت تصحبني معها في زياراتها اليومية، وفي كل المرات التي رافقتها فيها إلى سيدنا الحُسين كانت تطلب مني قراءة الفاتحة عندما ندخل المسجد وأن أقبّل الضريح، وكانت هذه الأشياء تبعث في نفسي معاني الرهبة والخشوع.” صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، رجاء النقّاش، ص15 – 16 ، دار الشروق، القاهرة – 1997
3 ــــــ أما الروائي جمال الغيطاني، فقد عشق الإمام الحسين تأثراً بوالده:
“ورثتُ عن أبي حُبّ الحُسين، كانت يده لا تفارق يدي في زيارته ضريح الحُسين منذ كان عمري أربع سنوات، إلى درجة أنّ رائحة سجاد الحُسين ما تزال في أنفي .. أنا متعلق بالحُسين، متعلق بسيدنا الحُسين كشخصية، كدور، كموقف.” من لقاء تلفزيوني مع فضائية الجزيرة القطرية في 6/11/2008 ، منشور على صفحة الجزيرة الالكترونية.
إنّ الرحلة الطفولية لهؤلاء الثلاثة مع الإمام الحسين رسخت في العمق من وجدانهم، حتى إذا كبروا وأصبحوا من ألمع الأدباء، وظّفوا شخصية الإمام الحسين في أعمالهم الأدبية خير تمثيل.
فكتب عبد الرحمن الشرقاوي مسرحيته الشعرية (ثأر الله) بجزأين (الحسين ثائراً، الحسين شهيداً) وتدور حول مأساة الإمام الحسين ويوم عاشوراء.
وفي ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة (بين القصرين، قصر الشوق، السكّرية) كانت شخصية الإمام الحسين محط اهتمام شخصيات الرواية جميعهم.
فيما هيمنت شخصية الإمام الحسين على رواية (التجلّيات) لجمال الغيطاني.