حكايات شهريار.. هان الود (3)
شرين خليل | المنصورة – مصر
كنت في حجرتي و سمعت ماقالته عني زوجة أبي ولكني لم أستطيع أن أخرج وأواجهها إلي أن سمعتها تقول:
إنت توديه مصحة يتعالج لإنه كده خطر علينا دا ممكن يقتلنا وهو مش حاسس .
خرجت وقولت لها :
أنا مش حرامي ولا سرقت حاجة .إنتي عاوزه مننا أيه ؟إنتي اللي ست وحشة.
عنفني أبي وكان رده صادما:
أنا هاوديك المستشفي عشان أكشف عليك وأتأكد من موضوع الأدمان دا لأنك فعلا مش طبيعي ولو طلع بجد يبقي هاتدخل المصحة .يلا أدخل ألبس دا اليوم اللي كنت خايف منه إبني أنا يبقي مدمن …
دخلت حجرتي لكي أجهز نفسي ،وفي نيتي الهروب من البيت ،وأنتظرت دخول أبي لحجرته وخرجت .
لم أكن أدري إلي أين أذهب .فكرت في عم إبراهيم ولكن أبي سيعرف مكاني فقررت الذهاب لأمي هي في محافظه بعيدة وحتي يصل لي أبي سأكون أخذت مايكفيني من الوقت لكي أقرر ما الذي سأفعله ….
عند أمي ..كان المنظر صعب جدا ؛حالتها صعبة تعمل في تجارة الملابس المستعملة وتذهب للبيوت لكي تبيع هذه الملابس ،زوجها مريض في السرير لا يتحرك ،إخواتي كل واحد يعمل في الأعمال الشاقة .
أول ما رأتني أخذتني في حضنها وهي تبكي بشدة .وجدت نفسي أبكي و أقول ها ليه يأمي عملتي كده وإتجوزتي أبويا وجبتيني ؟
كانت تبكي وتبكي بشدة .
شعرت وقتها وكأن مايحدث لها هو عقاب ربنا بسبب ما فعلته بزوجها وأولادها في الماضي وسعيها وراء المال ..
.جلست بجانبها وحكيت لها كل ما مر بي من أحداث ..
حازم ..
نعم يا أمي
أنت لازم تقعد معايا ..مش هاسيبك يابني مهما حصل ،أنا بشتغل وبكسب ماتقلاقش وأخواتك كمان بيشتغلوا ومش هاقصر معاك يابني ..
مرت أيام صعبة جدا …بعد ماكان لي حجرة خاصة في منزل أبي أصبحت أنام أنا وإخواتي علي سرير واحد …
ذهبت مع أخي للعمل معه في إحدي الورش الخاصة بالسيارات ،
أصبحت الحياة عند أمي صعبة جدا وأضطررت للرجوع لأبي…
الغريب أن أبي لم يسأل عني وكأنه يعلم أني سوف أرجع له .
في هذا الوقت شعرت بالكراهية الشديدة لأبي فكل ما حدث لي أنا وإخواتي كان بسبب طمع أنانية أبي ….
قابلتني الست زينب بضحكة كلها سخرية وإستهزاء ….
طبعا كانت حالتي مزرية. وبالرغم من منظري الحزين وحالتي السيئة إلا أن أبي لم يأخذني في حضنه ولم يرحمني ولكنه أوجعني بكلماته القاسية :
كنت عارف إنك مش هاتستحمل وهاترجع لوحدك ،أنت فاكر إن أمك هاتنفعك ،كانت نفعت نفسها ونفعت ولادها .أنا سيبت عشان تعرف قيمة النعمة اللي أنت فيها وإنك عايش عيشة مايحلمش بيها أي حد .
لم أشعر بنفسي وأنا أصرخ وأدمر كل ماحولي وكأني بركان وثار وإنفجر .أريد أن أقتل أبي وزوجته وأقتل نفسي
وبالفعل جرحت نفسي ،ودخلت المطبخ فتحت أنبوبة البوتوجاز لكي أتخلص منهم ومن نفسي وأرتاح من هذه الحياة .
من شدة صراخي وصراخ زوجة أبي تجمع الناس حولنا ..والست زينب كانت تريد إبلاغ الشرطه ،لكن الناس طلبت لي الإسعاف لأني كنت أنزف بشدة .
تحققت أمنية زوجة أبي ودخلت المصحة لكي أتعالج من الأدمان .
كنت أحتاج ان أبعد عن الجميع ،لا أريد رؤية أحد وخاصة أبي فأنا أكرهه بشدة .
وفي وسط هذا الظلام كنت أجد بصيص من الأمل .كنت أجد الدعم من أختي سماح وأولاد عمي،فهم دائما بجانبي حتي في أصعب حالاتي .
مرت أيام وشهور صعبة .بدأت أتعافي من الأدمان ،ولكني منكسر ،حزين أتمني الموت في كل وقت .
إنسان بدون هدف في الحياة .،.خرجت من المصحة وأنا في قمة الإحباط لا أعرف كيف سأواجه الحياة من جديد .
وجدت أبي في إنتظاري ضمني إليه وقال لي :
هاقولك علي خبر حلو ….
خير يابابا ؟
أنا طلقت زينب …هي فعلا كانت ست صعبة وداخلة علي طمع …
طيب الحمد لله ….ياريت تكون صدقت إني ماسرقتش …
مصدقك ياحازم طبعا
علي الرغم من أن خبر طلاق أبي وزينب خبر مفرح إلا إني لم أكن سعيد
وصلنا البيت عم إبراهيم منتظرنا ….
دخلت حجرتي لا أستطيع الكلام أشعر بإختناق وضيق .
وفي يوم حدث شئ لم يكن في الحسبان الست زينب جاءت ومعها طفله عمرها شهور .
.وقالت لأبي : بنتك أهي اللي طلقتني لما عرفت إني حامل وكأنها جريمة …
أنا كنت متفق معاكي مفيش عيال وإنتي اللي خلفتي وعدك …
بقولك أيه بنتك أهيه هاتلها بقي دادا عشان أنا هاتجوز …
هاترمي بنتك اللي ماكملتش سنه عشان تتجوزي يازينب ؟إنتي إتجننتي ….
عاوزه حد يصرف عليا أومال عاوزني أعمل أيه …
أعقلي يازينب هاديكي كل الفلوس اللي أنتي عاوزاها بس أصبري لما البنت تكبر شوية …
طيب أما نشوف …
وخرجت الست زينب كان عندها امل إنها ترجع لكن أبي رفض ، ولم يأخذ في إعتباره أو يهتم بطفلته الرضيعة.
كنت أتساءل ماسبب هذه القسوة الموجودة لدي الجميع وخاصة مع أبنائهم ؟ماالذي يجعل الأب يترك أولاده والأم ترمي أطفالها بهذه الطريقه؟ لماذا تتحكم رغباتهم فيهم ؟ أين العقل والحكمة أين مشاعر الأبوة والأمومة ؟ أسئلة لا أجد لها أجوبة.
مرت أيام وشهور وبدات أخرج وأزور أولاد عمي فهم الجانب المضئ في حياتي كانوا أكثر من إخواتي ودائما بجانبي وخاصة إبن عمي كان يشجعني علي العمل و يقول : لسه في أمل في الحياة ولازم تشتغل وإن شاء الله اللي جاي هايكون أحسن.
وبالفعل بدأت بمساعدة إبن عمي أن أفكر في مشروع. وجاءت فكرة معرض المفروشات فأبي عنده محلات مغلقة ولا يستفيد منها لذلك قررت أن أقوم بتجهيزها .
أخذت مبلغ من المال من أبي وبدأت في تجهيز المحلات وبفضل الله تم الأفتتاح وأصبحت صاحب أكبر معرض للمفروشات .
ورجعت الست زينب مرة أخري عندما سمعت عن المعرض ،جاءت من أجل المال مرة أخري .
وأحضرت معها الطفلة الصغيرة ، ولكن هذه المرة تركت الطفلة فأبي مازال رافضا رجوعها إليه .
قالت له :
بنتك عندك ربيها بقي . وذهبت وتركت بنتها طفلة صغيرة تحتاج حنان الأم .
علي الرغم من كراهيتي للست زينب إلا أنني طلبت من أبي أن يرجع إليها من أجل هذه الطفلة المسكينة .
رفض أبي وصدمني كالعادة :
إنت بتقول أيه ياحازم دي ست ملهاش آمان ،أنا هاتجوز واحدة تانيه أحسن منها …
بتقول أيه يابابا ؟!
هاتجووز…
يابابا كفاية بقي حرام عليك كده ….
ماتقلاقش دي ست طيبة جدا وهاتراعي أختك ….
أنا مش قادر أنطق .حاسس إن في حد ضربني علي دماغي ….
متخافش ياحازم دي ست طيبة زي ماقولت لك ومابتخلفش …
وعرفت منين إنها مابتخلفش .،..مش يمكن تعمل زي الست زينب ..،
لا يا بني هي أصلا أتطلقت عشان مابتخلفش …
خلاص يابابا إعمل اللي يريحك ،أنا عارف أنك مش هاتسمع كلامي ولا كلام أي حد .
أنا رايح أجيب بضاعه عشان المعرض وأشوف شغلي أنا ماصدقت أحس إني إنسان وعندي كيان وهدف مش عارف ليه بتصدمني أنا ماشي ….
حازم …
نعم
مش هانفرح بيك بقي يابني …
إن شاء الله يابابا ،بس لما تفرح أنت الأول .
بعد إذنك …
خرجت وأنا أشعر بضيق شديد وحسرة علي أختي الصغيرة وأخشي أن يكون مصيرها مثل مصيري فهي بنت وتحتاج للرعاية والإهتمام الشديد ولكن هذا هو أبي ولا أحد يستطيع أن يمنعه عن قرار أخذه .
ولذا قررت أركز في مشروعي فقط ولا أتحدث معه في أي شئ .
وفي يوم ما جاءت المعرض إمرأة لشراء بعض المفروشات ومعها فتاة رقيقة جدا أخبرتني أنها إبنتها ….وجدت نفسي أنجذب لها ونسيت كل الحياة الصعبة التي عشتها ،ووجدت فيها رفيقة العمر التي أبحث عنها .
سألت عنها وذهبت لأهلها وتمت الخطبة… أبي هو أيضا قد تزوج من الثالثة أقصد الرابعة ،الست وداد التي لا تنجب .
الحق يقال كانت طيبة جدا،طيبة لدرجة أنني لا أستطيع أن أعبر عن مدي طيبتها …طيبة لدرجة إنها لا تعرف أي شئ في هذه الحياة ،فمن خلال تعاملي معاها أكتشفت أن طلاقها لم يكن بسبب عدم الإنجاب ولكنه بسبب طيبتها الزائدة عن الحد والتي تؤدي إلي كوارث.،
فمثلا لو طلبت منها أن توقظك في وقت محدد من النوم فهي لها طرقها الخاص فمن الممكن أن تقوم بإلقاء كوبا من الماء المثلج علي وجهك وانت نائم ..أو لو جاء أحد لزيارتك وأنت لا ترغب في هذه الزيارة ولا تريد مقابلته، فهي عندها الشجاعة في أن تخبره بذلك وبمنتهي الصراحة . بالإضافة إلي أخبارنا التي تنقلها دوما للجيران ،والكثير من تصرفاتها الغريبة التي كانت سبب مشاكل مع كل الناس …
لم تستمر هذه الزيجة وتم الطلاق و قرر أبي وأخذ علي نفسه عهد أنه لن يفكر في الزواج أبدا ،كنتي فين ياست وداد من زمااان ..
أنا خطبت أسماء ولأول مرة في حياتي أشعر بالفرحة و إني إنسان .وبدأت أرتب للزفاف تزوجت و رزقني الله بتوأم ولد وبنت آدم وأميرة ….
أسماء كانت ترعي أبي وأختي وحياتنا هادئة ومستقرة إلي أن حدث مالم يتوقع حدوثه ففي يوم …….
هانكمل الأسبوع القادم إن شاء الله .