درس عظيم من التجربة الأفغانية

د. فيصل رضوان | الولايات المتحدة الأمريكية

 600 أفغاني عميل لأمريكا تكدّسوا بطائرة عسكرية أمريكية واحدة

بعد عشرين عامًا من بدء الحملة الأمريكية ضد الإرهاب في أفغانستان، والقضاء على تنظيم القاعدة؛ وحيث جاء القرار المتأخر للانسحاب الشامل من الأراضى الأفغانية: لماذا انهارت هذه التجربة القاسية أمام أعيننا، وأصبحت مجموعة طالبان المتطرفة – مرة أخرى – هى القوة السياسية والعسكرية المهيمنة؟

 أنفقت الولايات المتحدة ما يقارب من 2.1 ترليون دولار منها حوالى 80 مليار دولار لتدريب وتجهيز قوات الأمن الوطني الأفغانية – الشرطة والجيش على حد سواء – ولكن في مواجهة زحف طالبان الأخير، وبكل بساطة، تبخرت العشرات من الوحدات العسكرية الافغانية في الهواء، وهجر الجنود مواقعهم وهربوا دون مقاومة. بل إن الكثير من القوات رفع الراية البيضاء، وسلموا مواقعهم دون إطلاق رصاصة واحدة. كان المستفيد النهائي من الإستثمار الأمريكي هو طالبان، التى استولت ليس فقط على أركان القوى فى البلاد، ولكن أيضًا استولت على المعدات والاسلحة والذخيرة والمروحيات وأكثر من ذلك.

 السؤال؛ لماذا إنهار الجيش الوطني الأفغاني؟ على المستوى التكتيكي والتشغيلي، الإجابة بسيطة: لأكثر من 15 عاما لم يتحرر الجيش الوطني الأفغاني ولم تتكون عنده عقيدة الدفاع عن أرضه، بل ظل طفلًا رضيعًا منخفض الجودة والمعنويات، يعتمد تماما على الخدمات اللوجستية للمحتل، والدعم الجوي، وجمع المعلومات الاستخبارية، على الرغم من أن المهمة الرئيسية للقوات الأمريكية في البلاد منذ عام 2014 كانت تحضيره للعمل بشكل مستقل!! لم تستطيع القوات الحكومية ببساطة الوقوف في وجه عدو لديه دوافع عالية للسيطرة ومقاومة التدخل الغربى مثل طالبان.

 يرى كثيرا من المحللين أن هناك مشكلة جوهرية مع الجيش الأفغاني، هى أكثر بكثير من عدم قدرته على إجراء عمليات عسكرية ناجحة بشكل مستقل.  حيث أن الجيش هي على الدوام انعكاس للحكومة التي يخدمها. فكان الجيش الوطنى الأفغاني مثله مثل الحكومة في كابول، غارق في الاختلال والانقسام، والأهم من ذلك كله ، الفساد الكبير داخل قيادته. فلم يهتم هذا الجيش وحكومة الرئيس الهارب “أشرف غني” بتطوير استراتيجية سياسية أو عسكرية متماسكة لمواجهة الخطر القادم من طالبان بشكل مستقل، على الرغم من تمام المعرفة بحدوث هذا الخطر قريبًا. على النقيض من ذلك، فقد سيطر على السلطة قادة كان شاغلهم التنافس على السلطة والاستفادة من أموال المساعدات الخارجية أكثر من إهتمامهم بمستقبل هذه الأمة.

لم يكن من المستغرب في هذه الظروف أن الغالبية العظمى من الجنود في الجيش الأفغاني كان ولاؤهم لرواتبهم من الدولارات الامريكية، وليس من منطلق حب الوطن أو إحساس بالواجب تجاه دولتهم أو شعبهم. فهل من المستغرب الآن أن الكثير من الشعب الأفغاني العادي في الأرياف والقرى إذا رأوا فى جيشهم الوطنى الهارب أعداء وخونة، ربما أكثر من طالبان؟

 وعلى الرغم من صعوبة هذا الأمر، فإن طالبان تبدو الآن خيارًا مقبولا لملايين الأفغان الذين يشعرون بخيبة أمل من الفساد والخلل في الحكومة المركزية التي أنشأتها ودعمها المحتل الأمريكى.  ويرى البعض هنا فى أمريكا الحقيقة الساطعة، وهى أنه رغم التطرف المقيت لهذه الحركة، فقد ربطت طالبان نفسها بالدين والهوية الأفغانية بطريقة تحالف معها غالبية قلوب الأفغان أيديولوجيا وجغرافيًا وتاريخيًا. فماذا تسطيع أن تقدمه دولة أجنبية غير مسلمة لتغيير هذه المنطقة؟.

ربما يمكن الآن للعالم الإستفادة من الدرس العملى القاسى، والغالى بشريًا وماديًا، وهو أن الإحتلال لا يمكنه إنتاج ديموقراطية وجيش وشرطة وطنية خالصة، فى دولة أخرى ذات طبيعة أيديولوجية وثقافية مختلفة. حيث كانت محصلة أمريكا بأختصار:إنسحاب مخجل، وجيش أفغاني “ورقى” منهار، ورئيس هارب. فهذا هو نتاج ما حققه استثمار أكثر2 تريليون دولار للولايات المتحدة: نهاية فوضوية ومُهينة لحرب استمرت 20 عامًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى