مقبرة أفغانستان هل تركتها أمريكا لأعدائها؟
بقلم: عدنان الصباح
لم يكن الخروج الامريكي من افغانستان هزيمة بشعة للإمبريالية ولا انتصارا للجهاد الطالباني كما صورت طالبان ذلك بانتشارها السريع في كل افغانستان وترافق ذلك مع الغياب الامريكي التام حتى عن الاحتجاج وعلى عكس كل التوقعات اغلقت امريكا حتى سفارتها هناك وطوت علمها وحرصت ان تعلن ان العلم نفسه بأمان وبيد جنود المارينز داخل السفارة ووفرت كل أدوات الدعم اللوجستي لإجلاء الامريكيين الرسميين وغيرهم من هناك في حين غضت طالبان الطرف عن التحرك الامريكي وابتعدت كليا عن محيط المطار والسفارة حيث يتواجد الجيش الامريكي.
يحلو للبعض اجراء مقارنة بين سقوط سايغون وسقوط كابل مع ان الفرق هائل فقد انسحبت أمريكا من سايغون رسميا عام 1973م قبل سقوطها النهائي في 30 ايار عام 1975م بينما سقطت كابل بإرادة أمريكية معلنه بعد أن أمنت إخلاء القصر الرئاسي وتسليمه لطالبان وواصلت بهدوء إغلاق سفارتها وإجلاء رعاياها من كابل تحت نظر ومراقبة طالبان وقد جاء الانسحاب الأمريكي بعد توقيع اتفاقية سلام بين امريكا وطالبان تنسحب بموجبها جميع القوات الأجنبية من افغانستان خلال 14 شهرا من تاريخ التوقيع نهاية شباط 2020م وقد جاء في نصوص الاتفاق الى جانب الانسحاب ان الولايات المتحدة لا تعترف بإمارة افغانستان الاسلامية بينما تلتزم طالبان بعدم استخدام الاراضي الافغانية لشن أي عمل عدائي ضد الولايات المتحدة وحلفائها وفي كل بند من بنود الاتفاقية ورد النص القائل:”إمارة افغانستان الاسلامية والمعروفة باسم طالبان والتي لا تعترف الولايات المتحدة بها” وفي الجزء الثاني من الاتفاقية جاءت جميع النصوص عبارة عن التزامات واضحة من قبل طالبان بحماية أمن الولايات المتحدة.
امريكا مثل غيرها ادركت خلال عقدين من الزمن ان افغانستان هي مقبرة الغزاة ولم يستطع احد من الغزاة النجاة منها تماما كما حدث للغزو الروماني عام 339 قبل الميلاد وكذا الاسكندر المقدوني وجنكيز خان والفرس والبريطاني ثم السوفياتي والامريكي اخيرا ولذا فقد يعتبر الخروج الامريكي من افغانستان افضل انتصار امريكي وليس العكس بعد ان خرجت من هناك بأول اتفاقية افغانية مع الغزاة تمنح الغزاة ما منحته طابان لأمريكا من الحفاظ على امنها ومحاربة كل من يحاول الاعتداء على الولايات المتحدة من افغانستان والزام عناصرها بذلك.
لم تكن فكرة الانسحاب من افغانستان صناعة بايدينية بل ان ترامب هو اول من رفع شعار ان واشنطن لن تكون شرطي العالم وبما بعني ان على الحلفاء خارج امريكا ادارة حروبهم بدمهم لا بالدم الامريكي وادارة ترامب هي من وقعت الاتفاق مع طالبان وليس بايدن وعلى الجميع ان يتذكر جيدا ان الولايات المتحدة كانت الحاضن الاول لطالبان والجماعات الاسلامية في افغانستان اثناء الحرب على الغزو السوفياتي وهو ما يجعل التعاون بين واشنطن وطالبان اسهل من أي تعاون اخر اكان علنا ام عبر المصالح المشتركة فالمعركة في افغانستان لم تنتهي بعد وهي معركة لا تجري ابدا على حدود امريكا بل على حدود الصين وروسيا الاعداء الحقيقيين لامريكا وستجد افغانستان داعم لوجستي قوي لها في باكستان الحليف التاريخي لطالبان.
المعركة اليوم هي بين الكهنة الحقيقيين كيسنجر الذي اوصى الساسة الامريكيين بالابقاء دائما على الصراع بين روسيا والصين لما يخدم امريكا وكونفوشيوس الذي اوصى الصينيين بتحقيق الاهداف عبر الانتصار بمعركة واحدة من دون حرب افضل خوض 100 معركة لتحقيق انتصار واحد وهو ما تسعى نظرية كيسنجر لتقويضه عبر استعادة وجود لينين وستالين الساعين للانتصار خارج بلادهم ان هم وجدوا التهديد الاسلامي على حدودهم خصوصا وانهم لا زالوا يقاتلون هذا الخطر في سوريا وستجد الولايات المتحدة فرصتها القادمة بإزاحة الاسلاميين وترحيلهم الى افغانستان لتصبح داعش والقاعدة وطالبان وغيرهم على حدود روسيا والصين لا على حدود امريكا وقد سبق وحذرت منذ امد من ذلك واوضحت ان ما يجري من حروب اسلاموية في الشرق الاوسط هي تحضيرات وتدريبات لما هو قادم ضد الصين التحدي الاخطر لأمريكا ومعها الحليف الممكن روسيا الاتحادية.
لا تخفي الصين احلامها باستعادة طريق الحرير والذي تعتبر افغانستان بوابته على العالم ويتحدث المراقبين والمحللين ومسربي الاخبار عن الترحيب الطالباني بالصين في افغانستان مما سيجعل الصين متلهفة فعلا لذلك دون حسابات لمستقبل العلاقة مع طالبان التي لا تتقن حتى اليوم سوى الحرب ولا تقبل حقيقة غير حقيقتها الى جانب ان روسيا لن تغمض عينيها عن التغلغل الصيني وما قد يجلب لها وجود طابان على حدوده الاسلامية مع ان مشروع طريق الحرير الصيني لا يقف عند الاحلام الوردية بل سيكون مغامرة لا احد يعرف نتائجها فهو اولا سيكلف الصين 4 تريليون دولار وسيتعاطى مع 60 دولة دون وجود اية ضمانات لنجاحه وكذا دون معرفة اية عقبات تنتظر الصين على هذا الطريق غير القائم حتى اللحظة فالجميع يعرف اطماع الصين من هذه الطريق وكذا فان الجميع يدرك مصالحه الخاصة واية تعارضات وتحديات قد تأتي بها طريق الحرير الصينية كما ان احد قد لا يتنبه لمصلحة الهند في عرقلة أي نشاط صيني في افغانستان.
صحيح ان خروج امريكا من افغانستان لم يكن انتصار مظفرا ولكن تطورات الغد فيما يخص الصين وروسيا هي من ستحدد أي نتائج ارادت امريكا من انسحابها من هناك ومن اتفاقيتها مع طالبان في الدوحة وهل كان الاتفاق المعلن هو ما جرى في كل محادثات امريكا وطالبان في الدوحة والتي استمرت لسنوات مع احتفاظ طالبان بوجود سياسي تمثيلي دائم في الدوحة البلد التي تستضيف اهم قاعدة عسكرية أمريكية خارج حدودها.
السؤال العجيب هو لماذا فعلت امريكا ذلك وهي التي ذهبت الى افغانستان لتخليص البلد من طالبان والقاعدة لتخرج منها وقد سلمتها من جديد لنفس الاعداء وقد يبدو الامر ساذجا تصديق حكاية عودة ابناء المارينز الى الديار مقابل تمدد طالبان على حدود الصين ومناطق نفوذ روسيا الاتحادية وايران وباكستان وهو ما يعني ببساطة ان أمريكا وضعت على حدود الصين وايران عدو عقائديا مستعد لفعل أي شيء وخطرا يهدد سلامة الحدود الروسية التي باتت بلا عقيدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي هناك بما يعني ببساطة ان أفغانستان لا يمكن لها ان تكون مرتعا لاحد بل هي بالتأكيد خطرا مشهود لها كمقبرة لكل من حاول اللعب بنارها او الاقتراب منها وهي وفي اقرب مما يتصور احد ستكون مخيما دوليا لكل المنظمات المتطرفة من شتى بقاع الارض وهذا بالتأكيد ما ارادته وتريده الولايات المتحدة سيدة الارهاب في العالم بالإتيان بكل المتطرفين على حدود الصين وروسيا وإيران دون ان نغفل عن قدرة باكستان على لعب كل الأدوار في أفغانستان ومصلحة الهند بان تقوم بدور اللاعب ضد أعدائها التاريخيين من خلال أفغانستان وفي كل الحالات فإن من سيدفع الثمن في الغد بعد الشعب الأفغاني ليس الولايات المتحدة.
ان الحكم على نتائج واسباب الانسحاب الامريكي من افغانستان وترتيب الاوضاع لصالح سيطرة طالبان عليها سابق لأوانه وقبل الحكم يجب قراءة الاتفاقية الموقعة بين الولايات المتحدة وامارة طابان الاسلامية في الدوحة ومن ثم انتظار النتائج والتطورات والتفاعلات القادمة بين طالبان ومحور العداء للولايات المتحدة المعلن روسيا والصين وايران وكذا العلاقة القادمة بين امارة طالبان وقوى التطرف في العالم وما اذا كانت افغانستان ستكون بوابة طريق الحرير الصينية او مرتعا للأحلام الروسية او حليفا لإيران ومرتعا لأحلامها بالانتقال الى حدود الخارج وهو ما ستقف له باكستان وايران بالمرصاد ام انها ستكون بوابة جهنم للجميع وستعود مقبرة لكل من يقفز فوق اسوارها وقد ترفع القبعات غدا للولايات المتحدة التي اتقنت لعبة فتح بوابة المقبرة لمن لا تريدهم على الارض.
على الجميع أن يتذكر جيدا ان افغانستان هي مفترق الطرق الاخطر في العالم فهي تصل بين الانداد جميعا بين ايران وباكستان وبين الصين وروسيا وان لم تكن ايادي واشنطن تجلس تحت الرمال هناك فان احتمالية الخير قد لا تكون لاحد مع صناعة طالبان الوحيدة التي تتقنها وهي القتال الى جانب زراعة وتجارة المخدرات من الافيون والهرويين وقد قدر مكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ان 80% هي حصة افغانستان من امدادات المخدرات العالمية