أنت من المكتوبين يا أنس: قصة قصيرة

د. جمال الجزيري | مصر

يقول سليم الباشري راويًا:

اعلم يا أنس أن الكاتب مكتوب، وأن من ادعى فلا امتداد له؛ فلا تبتئس بهذي السوق. المشترون هم الذين لم ترهم، وهي تأتي للموعودين، لا للحسّابين، كما رأيت بعينيك في تلك السوق القديمة عندما تحول العيش والبيض إلى ذهب على يديك. لا أحد يسند الجبل بظهره؛ واحمد ربك أنك اصطفيت لنفسك مكانا قصيا، وأن نخلتك طارحة، وأن قلبك مليء بالرطب؛ ألا ترى كلامك رطبا وشاربا من ماء النيل؟ لهذا عبرت الشط على فؤادك وجئتَ إليك سعيا. ولهذا سأراك لاحقا. لا تغضب مني؛ الحذر واجب يا أنس؛ فلم تحدث هذه التحولات في مملكة الماء والنغم إلا بعدما عبرت الحوض، والحوض لا تمر به السفن؛ فكيف رأيت فيه سفينة عابرة؟ ومن ذاك القبطان الذي استوقفك؟ خالك أو جدك ياسين غامض ولا نعرف شيئا عن رحلاته البشرية في أرضكم. وجدتك ابتهاج وأبناؤها وأحفادها متمردون على محاولاتي تقوية علاقاتنا الخارجية بكم. والسلالات الجديدة كأنها حلقة طافرة في السلسلة. عاودت الاستماع إلى كل تسجيلات نداء عالية هههههههههه. نعم احتفظت بنسخة منها. أم تراني أترك نفسي لأهوائي وأغضب عليك للأبد؟ نعم عمري طويل وذاكرتي طويلة، لكن زيادة في الحرص كي لا أظلم أحدا. ورأيتك يا أنس بائسا، وأعجبني سعيك. وقد تنجح وتجمع شتات مئة وخمسين سنة كاملة بسعيك. ألا تقولون: ما ضاع حق وراءه مطالب؟ لن تضيع بشرى وراءها ساع للفهم مثلك يا أنس. اعلم أن الكواكب ينتظرون انفراج الحبكة عندك وعلى يديك، واعلم أيضا أنني لن أتوانى في أن أساعدك بشتى الطرق. وعالَم وحده لا يصفق. ها هو عالمي مع عالمك والله قدير وعليم وبصير. أنا آسف يا أنس. وصلني إشعار بقصَّتِك، ولا تسألني كيف؟ فشبكتنا غير شبكتكم. واستبشرت باللقاء على الحوض. هل تصدق أنني عندما وصلني الإشعار رأيت هاتفي على الحوض وبعدها رأيتني ذاتي أتوضأ من الحوض؟ ولكنني لم أعرف إن كنت قد صليت الفجر في المنام أم خارجه! ربنا بصير بما يخرج من القلوب إلى الألسنة، وربما أحسست بأن صلاتي لن تكتمل إلا بنقل بشراي لك. ولهذا رأيتك مكتوبا يا أنس. أنت من المكتوبين يا أنس، من المكتوبين؛ فهيا واصل تلبية النداء حتى تروي انكتابك، هيا.

* سليم الباشري من أبطال رواية “نداء عالية” لجمال الجزيري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى