جامعات العباءات وجامعات الإبداعات    

توفيق أبو شومر | فلسطين

الفنان البولندي: ميشال جورستكين

في كل عام يُحرضني تقريرُ جامعة شنغهاي السنوي، للكتابة حوله، التقرير يرصد أبرزَ خمسمائة جامعة في العالم، في المجالات العلمية والفكرية والتكنلوجية،

اعتدتُ أن أُتابع التقرير السنوي لهذه الجامعة، وهو تقريرٌ مُحايد، تُصدره جامعة شنغهاي الصينية، وقد منحت نفسها الترتيب 421 ما بين الجامعات المرصودة في العالم، والتقرير يرصد مسيرة خمسمائة جامعة في العالم، ويُخضعها لمقاييس أكاديمية ليعرف الجامعات الأكثر تفوقا وتأثيرا في العالم.

أما عن مقاييس جامعة شنغهاي، فهي مدى تأثير الجامعات في مجالات العلوم، والتربية، والبيئة، والخدمات والفنون، وترصد أيضا عدد أساتذة الجامعة النابغين، ممن يحصلون على جوائز عالمية، وعدد مراكز الدراسات والأبحاث التي تشرف عليها الجامعة، ومقدار الميزانيات المخصصة للأبحاث والدراسات، وعدد الأبحاث العلمية المحكمة التي أصدرتها الجامعة.

ووفق تلك المقاييس فإن جامعة هارفارد الأمريكية هي الأولى، أسسها القس جون هافارد في القرن السابع عشر 1636م، وكان سبب تأسيسها لكي تنافس جامعتي إكسفورد وكيمبرج في بريطانيا، وللعلم فقط فإن هذه الجامعة احتفظتْ بالمرتبة الأولى على الخمسمائة جامعة في العالم منذ اثني عشر عاما، ومن خريجي الجامعة عدد من رؤساء أمريكا والشخصيات البارزين، منهم، روزفلت، وجون كنيدي، وباراك أوباما، وعبقري الكمبيوتر، بل غيتس، وغيرهم!

حاولتُ أن أبحث عن أمرين الأول، هوترتيب الجامعات الإسرائيلية، والثاني، ترتيب الجامعات العربية، أما عن الجامعة الإسرائيلية الأكثر  تفوقا في إسرائيل، فهي الجامعة العبرية في القدس،فقد حظيت بالمرتبة 70 ما بين الخمسمائة جامعة، وكانت في العام الماضي تحظى بالمرتبة التاسعة والخمسين، وأشعلتْ الجامعةُ العبريةُ الضوءَ الأحمر بعد هذه المرتبة، استعدادا لتغيير ترتيبها في العام القادم !!

أما عن  أقرب جامعة عربية ظهرت في المقياس، في الترتيب الأربعمائة وواحد، فهي  جامعة الملك عبد الله في السعودية، أما بقية جامعات العرب فلا وجود لها في مقياس جامعة شنغهاي!!

يرجعُ سببُ غياب كل الجامعات العربية عن مقياس جامعة شنغهاي، إلى أن معظم الجامعات العربية، ليست سوى عباءات للوجاهات والشهادات والمراتب الوظيفية، فهي عبارة عن دفيئات  لتخريج الموظفين الحكوميين، وهي مؤسسات حكومية، أو شبه حكومية، أو شركات ربحية، تَتَّجر في البطاقات أو الشهادات، وهي من أربح التجارات وأسهلها في العالم!

يرجع سبب تفوُّق جامعة هارفارد الأولى ثم ستانفورد الثانية، ثم بيركلي الثالثة، ثم كيمبرج الرابعة، ثم برنستون الخامسة، ثم معهد كاليفورنيا للتكنلوجيا، ثم كولومبيا، ثم شيكاغو، ثم إكسفورد؛ إلى أن لكل جامعةٍ من هذه الجامعات المتفوقة سياستَها الخاصة بها، كما أن هذه الجامعات لا تعتمد النسبة المئوية التي يحصل عليها الطلاب في امتحانات الثانوية العامة كأساسٍ رئيسٍ للقبول، بل إنَّ لها امتحاناتِها الخاصة بها، وهي امتحانات أصعب من امتحانات الثانوية العامة!

يضاف إلى ما سبق أن للجامعات البارزة السابقة  فلسفاتٍ خاصة، تتبناها وتشرف عليها، فجامعة هارفارد الأولى، تتبنَّى فلسفة البرغماتية، أي العملية، أي تحويل الآراء والأفكار والمعتقدات إلى سلوك عملي، وتطبيقي في الحياة، فلا قيمة لعلم الرياضيات، إذا لم يتحول إلى منظومة إلكترونية، لإدارة الحواسيب وتعزيز مخزوناتها من العلوم، ولا قيمة للعلوم  والجداول المحفوظة عقليا، إلا بتحويلها إلى آليات عملية لخدمة الطب والبيئة والتربية وغيرها!

ويرجع سبب تفوق تلك الجامعات إلى أن الأموال التي تُنفق عليها، ليست سوى أدوات لتحقيق الأرباح العلمية والتفوق في مجالات العلوم، فما رصدته جامعةُ هارفارد للأبحاث عام 2010 ،كان ستةً وعشرين مليار دولار!

أما معظم الجامعات العربية فهي عالات على الحكومات العربية، ومعظم أساتذتها موظفون حكوميون يلتزمون بتقاليد الوظائف، ولا يهتمون بالإبداعات والتفوق العلمي!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى