ما المقصود بعلم النفس الإيجابي؟ ولماذا هو مهم؟

تأليف: كورتني إي أكرمان، 2020

ترجمة وتنسيق وإضافة: د. محمد السعيد أبو حلاوة| أستاذ الصحة النفسية المشارك، كلية التربية، جامعة دمنهور

إذا كنت سمعت مصطلح “علم النفس الإيجابي” في تردده على ألسنة غالبية المتخصصين في الدراسات النفسية، ربما تتسائل عن ماهيته وما الذي يمثله بالضبط؟ ومن أين جاء؟ وإلى أين يسير بنا؟!!! وواقع الأمر يوجد عديد من التصورات الخاطئة عن ماهية علم النفس فيما يتعلق بما يعبر عنه وما لا يعبر عنه.

ولاستجلاء حقيقة وطبيعة علم النفس الإيجابي وما يدور حوله من سجالات علمية ربما من المفيد تقديم تناول إجمالي عام يركز فيه على تعريفه ونقاط تركيزه وقضاياه الأساسية في ضوء التسليم باعتباره حركة أو تيارًا أو توجهًا معاصرًا في مجال علم النفس ضمن تيارات أو توجهات أخرى بطبيعة الحال.

وتأسيسًا على ذلك يتضمن اللقاء الحالي وصفًا تفصيليًا لعديد من العناصر الكاشفة عن مجال علم النفس الإيجابي على النحو التالي:

  • أولاً- ما المقصود بعلم النفس الإيجابي؟ تعريفات أساسية.
  • ثانيًا- عن مؤسس علم النفس الإيجابي: مارتين سيلجمان.
  • ثالثًا- سبع عشرة فائدة لعلم النفس الإيجابي.
  • رابعًا- علم النفس الإيجابي: النظرية والمفاهيم.
  • خامسًا- أهداف علم النفس الإيجابي (في سياق علم نفس التدريب).
  • سادسًا- علم نفس الإيجابي: مقدمة لنموذج بيرما.
  • سابعًا- معنى عدد من الموضوعات مثل: التدفق، والازدهار.
  • ثامنًا- أمثلة لعلم النفس الإيجابي في الممارسة أو من المنظور التطبيقي.
  • تاسعًا- نقد حركة علم النفس الإيجابي.
  • عاشرًا- سبعة تعريفات أخرى لعلم النفس الإيجابي.
  • إحدى عشر- علم النفس الإيجابي: نقاط أساسية للتذكر.
  • اثتنا عشر- المراجع.

وفيما يلي تناول تفصيلي لهذه العناصر:

أولاً- ما المقصود بعلم النفس الإيجابي؟ تعريفات أساسية:

  • تعريفات علم النفس الإيجابي:

يمكن أن يوصف علم النفس الإيجابي بطرائق متعددة وبتعبيرات لغوية متنوعة، ومع ذلك فإن التعريف الأكثر شيوعًا وقبولاً في أدبيات المجال هو تعريف كريستوفر بيترسون (2008) ومفاده أن علم النفس الإيجابي ” الدراسة العلمية لكل ما يجعل الحياة جديرة بأن تُعاش” (Peterson, 2008).  ولتوضيح هذا التعريف المختصر يقال أن علم النفس الإيجابي مدخل علمي في دراسة التفكير والمشاعر والسلوك الإنساني بتركيز على مكامن القوة والجوانب الإيجابية بدلاً من التركيز على بواطن الضعف ومظاهر القصور، وبناء حياة جيدة بدلاً من إصلاح أو تصويب ما هو سيء أو معتل، فضلاً عن وصف وتفسير حياة العاديين من البشر وتنميتها بدلاً من التركيز حصريًا على من يعانون من اضطرابات أو اعتلالات نفسية (Peterson, 2008).

  • ما الذي يركز عليه علم النفس الإيجابي باختصار؟

يركز علم النفس الإيجابي على وصف وتفسير وقياس وتنمية الأحداث والمؤثرات الإيجابية في الحياة، بما يتضمنه ذلك من تركيز على:

  • الخبرات الإيجابية Positive experiences مثل (السعادة، البهجة، الطموح، والحب).
  • الحالات والسمات الإيجابية Positive states and traits مثل (الامتنان، الصمود، والشفقة والرفق والتواد).
  • المؤسسات الإيجابية Positive institutions (تطبيق المبادئ الإيجابي على المنظمات والمؤسسات).

وعلم النفس الإيجابي كمجال للدراسة يركز جل اهتمامه ويكثف أنصارهم جهدهم ووقتهم في التفكير في موضوعات مثل: مكامن قوة الطبع، التفاؤل، الرضا عن الحياة، السعادة، الهناء وطيب الوجود، الامتنان، الشفقة والرفق خاصة الرفق والشفقة بالذات، تقدير الذات، الثقة في الذات، الأمل، والنشوة والحبور. ويتم دراسة هذه الموضوعات باستخدام المنهج العلمي لتعلم كل ما يمكن أن يؤدي بالناس إلى الارتقاء والازدهار في الحياة وترقية وتجويد نوعية حياتهم.

ثانيًا- عن مؤسس علم النفس الإيجابي: مارتين سيلجمان:

مارتين سيلجمانMartin Seligmanباحث في مجال نطاق الخبرة العامة الواسعة لعلم النفس، وحتى ولو لم تكن سمعت أي شيء عن علم النفس الإيجابي إلا الآن، سمع جميع من تخصص في علم النفس عن مارتين سيلجمان بصورة عامة، حيث بدأ دراساته البحثية في علم النفس منذ الستينات والسبعينات من القرن العشرين واضعًا لأسس ما يعرف اصطلاحًا بنظرية العجز المتعلمlearned helplessness.

هذه النظرية التي أثرت في مجال دراسات علم النفس لعقود طويلة وينطلق منها في وصف وتفسير كيف يتعلم البشر والحيوانات العجز والشعور بفقدان السيطرة على ما يحدث لهم، وربط مارتين سيلجمان هذه الظاهرة بالاكتئاب، ولاحظ أن عديد ممن الناس يعانون من الاكتئاب يشعرون بالعجز واليأس، وتوصل من دراساته العلمية في هذا المجال إلى عديد من الرؤى والأفكار والشواهد التي أمكن بموجبها علاج عديد من الأعراض الاكتئابية، فضلاً عن استراتيجيات الوقاية من الاكتئاب.

ورغم أهمية ما توصل إليه مارتين سيلجمان من نتائج، كان على يقين بأن أمامه مسارًا طويلاً للإسهام في مجال علم النفس خاصة من المنظور الإيجابي، فبعد أن ارتبط اسمه بظاهرة العجز المتعلم حول انتباهه للتركيز على دراسة سمات ومكامن قوة ورؤى إيجابية يمكن تعلمها؛ ومن ثم درس موضوع الصمود  resilience والتفاؤل المتعلمlearned optimism في إطار برنامج بحثي كامل عن “المرونة النفسية”، و “الصمود النفسي” للأطفال وأعضاء القوات المسلحة في أمريكا وغيرهم.

وتزايد إحباط سيلجمان من ضيق نطاق علم النفس وتركيزه شبه الحصري على الجوانب السلبية ومظاهر الضعف والاعتلال في الشخصية خاصة الأمراض النفسية وعلم نفس اللاسواء، والصدمة، والمعاناة، والألم، مع اهتمام ضئيل جدًا بموضوعات السعادة، والهناء، ومكامن القوة، والازدهار.

وعندما انتخب مارتين سيلجمان رئيسًا للجمعية الأمريكية لعلم النفس في سنة 1998 أتيحت له فرصة ذهبية لتغيير توجه علم النفس واجتهد لتأسيس مجال فرعي جديد في علم النفس يركز على ما نعم الحياة ومظاهر الإيجابية فيها أكثر من التركيز على المحن والمتاعب؛ ومن ثم أصل لهذا التوجه تحت مسمى جديد هو “علم النفس الإيجابي” في مقال تأسيسي سنة 2000 بالاشتراك مع مؤسس موضوع “التدفق flow” ميهالي تشكزنتيمهالي Mihaly Csikszentmihalyi.

ومنذ الدعوة التي وجهها مارتين سيلجمان سنة 2000 للتركيز على الجوانب الإيجابية في الحياة ركز الآلاف من الباحثين حول العالم في هذا المجال وأجريت آلاف الدراسات في دراسة ظاهرة الإيجابية مع توجه لتطبيقات مبادئ علم النفس الإيجابي في مجالات: التعليم، التدريب، العلاقات، بيئات العمل، ومجالات الحياة الأخرى.

ثالثًا- فوائد لعلم النفس الإيجابي:

يبدو أن مارتين سيلجمان وميهالي تشكزنتميهالي نجحا في تأسيس علم النفس الإيجابي، بدليل وفرة المشاريع العلمية والأوراق البحثية التي تناولت “قضايا وموضوعات الإيجابية” وصولاً إلى التأسيس لحياة إنسانية قوامها الإعراب عن أصالة الذات وتجويد الحياة والازدهار الإنساني.

وقد يتعذر وضع قائمة بفوائد علم النفس الإيجابي، ومع ذلك قد يكون من المفيد التصور الإجمالي لأهمية علم النفس الإيجابي من المنظور المفاهيمي والتطبيقي، ولعل الفائدة الأكثر قيمة لعلم النفس الإيجابي توجه أنصاره إلى تعليمنا قوة تحويل انتباهنا ورؤانا للحياة وعيًا واستمتاعًا وإثمارًا وارتقاءً لا معاناة ولا اعتلال ولا كدر فقط، بما يفضي الهناء في الحياة، ومن منا لا يقدر قيمة وأهمية التركيز على التفاؤل والامتنان كقومات للحياة الطيبة، من منا لا يدرك أهمية الإبحار في الحياة بذهنية المعنى والقيمة والتسامي وليس النجاح فقط.

ومع ذلك من غير المقبول الغرق في التركيز على الجوانب المشرقة وقضايا الإيجابية والحياة كامن في متنها طبيعيًا مآسٍ ومتاعب وكدر ونصب ووهن؛ ومن ثم دعوة علم النفس الإيجابي تتضمن التوازن بين هذا وذاك دون تصور إمكانية لاستبدال ما يتوهم أنه “علم نفس تقليدي”، بما يتوهم أنه “علم نفس إيجابي”، إنه فقط دعوة لتقويض بنية التحيز للسلبية الذي ساد ولون الإطار العام لغالبية قضايا التناول في علم النفس لعقود طوال.

ويمكن تلمس عدد من فوائد علم النفس الإيجابي في تركيزه على السعادة والازدهار والارتقاء بجودة الحياة في النقاط التالية:

  • يبالغ الناس في تقدير قيمة المال في تحقيق سعادتهم، ولا ينكر الإسهام النسبي الضئيل للمال في هذا الصدد، إلا أن المال لا يضمن السعادة على الإطلاق؛ ومن ثم فإن قلة التركيز في الحصول على الثروة والمقنيات المادية ربما يجعلنا أكثر سعادة مقارنة بمن يجعل همه الاستحواذ على المال والثروات المادية (Aknin, Norton, & Dunn, 2009).
  • إنفاق المال في الخبرات الحياتية الإيجابية والسارة أكثر إسهامًا في تحقيق السعادة مقارنة بالتوجه لإنفاه في الاستثمار والحصول على المزيد من الثروات والمقتنيات المادية؛ لأن التسلح في الحياة بذهنية الاستحواذ لا يزيد الإنسان إلا همًا وركدًا وراء سراب ومتاع زائل (Howell & Hill, 2009).
  • الامتنان العامل الأكثر إسهامًا في تحقيق السعادة في الحياة؛ ومن ثم فإن زراعة الامتنان وتنميته وتمكينه في التكوين النفسي للإنسان يزيده سعادة ورضا وهناءً (Seligman, Steen, Park, & Peterson, 2005).
  • ربما ينشط الأوكسيتوسينOxytocinالثقة التعاطف والأخلاقية لدى البشر، إلا أن “المعنى meaning ” العامل المركزي في التواد وتحقيق الهناء العام في الحياة للذات وللآخرين (Barraza & Zak, 2009).
  • من يتوجهون في الحياة بذهنية زراعة وتأسيس وإثراء المزاج الإيجابي للتناغم مع مثيرات ووقائع الحياة الخارجية على المستوى الانفعالي أكثر سعادة ورضا وهناءً وهو أمر لا يتحقق بذاته إنما دالة في جزء أساسي منه لرغبة الإنسان في السعادة وسعيه لها وصناعته إياها وفقًا للمعنى والقيم فيما يعرف ب”الجهد والعمل الانفعالي emotional labor”(Scott & Barnes, 2011).
  • السعادة مُعْدية: فما جاور السعيد يسعد، ومن صاحب السعيد يسعد، ومن كان في حياته أشخاص مقربون مساندون سعداء تزداد سعادته في المستقبل ربما لارتفاع معامل الطمأنينة والأمن النفسي (Fowler & Christakis, 2008).
  • من يتميزون بالرقة والتواد ويبدون التعاطف والحنو تجاه الآخرين لا يعززون فقط الهناء في الحياة داخل تكوينهم النفسي بل ترتفع مكانتهم الاجتماعية بين أقرانهم ويكونون أكثر تقبلاً من قبل هؤلاء الأقران (Layous, Nelson, Oberle, Schonert-Reichl, & Lyubomirsky, 2012).
  • الاشتراك في الأعمال الخيرية وقضاء وقت في الأعمال التطوعية عن قناعة ورضا يحسن من الهناء في الحياة والرضا عن الذات وعن الحياة، بل ويقلل من أعراض الاكتئاب(Jenkinson et al., 2013).
  • إنفاق المال على الآخرين يفضي إلى مزيد من السعادة للمنفق (Dunn, Aknin, & Norton, 2008).

ويجتهد أنصار حركة علم النفس الإيجابي أو تيار دراسة الإيجابية في الشخصية الإنسانية والوجود البشري في تحسين بيئات العمل والمؤسسات التعليمية والمهنية، وكشفت نتائج عديد من الدراسات في هذا المسار عن ما يلي:

  • تحسن الإنفعالات الإيجابية الأداء الوظيفي المهني في بيئة العمل.
  • الانفعالات الإيجابية في بيئة العمل مُعْدية، بما يعني أن الشخص الإيجابي أو الفريق الإيجابي يوسع من نطاق الوجدان الإيجابي على منظمة العمل كلها.
  • للأفعال الصغيرة والبسيطة تأثيرات كبيرة على سعادتنا، بما يعني لا يتطلب الأمر جهدًا جهيدًا لتحفيز الآخرين وتشحيعهم بل كلمة طيبة وابتسامة صافية وتعبير ودي يزيد من السعادة ويحيل بيئة العمل إلى مكان إيجابي مريح(Kjerulf, 2016).

ويجدر الإشارة إلى تمتع الإنسان بالنظرة المشرقة للحياة لا يضمن فقط النجاح رغم أن النجاح في حد ذاته لا يعني سعادة الإنسان بل تزيد من خبرته بالانفعالات الإيجابية التي تزيد بدورها من فرص تحقيق مزيد من النجاح(Lyubomirsky, King, & Diener, 2005).

ورغم ما تقدم ينبغي الحذر من افتراض أن دفع الناس على تجاهل الانفعالات السلبية يساعدهم في الوصول إلى النجاح فهذا وهو في واقع الأمر، فمن النتائج المهمة من دراسات علم النفس الإيجابي ان إجبار الناس غير المتفاؤلين على “التفكير الإيجابي” له تأثيرات بالغة الضرر؛ ذلك لأن التفاؤل غير الواقعي unrealistic optimism لا يقل تأثيره السلبي عن التشاؤم(del Valle &Mateos, 2008; Dillard, Midboe, & Klein, 2009).

ومن الفوائد والإسهامات القيمة لحركة علم النفس الإيجابي فكرة “الحياة الطيبة أو الصالحة the good life”، فقد أخذ الاختصاصي النفسي المجدد في علم النفس الإيجابي روي إف بوميستر Roy F. Baumeisterوزملاؤه (2013) على عاتقهم تحدي وصف وتفسير العوامل التي تصنع أو تشكل الحياة الطيبة، ووجدوا أن “السعادة”، و “الشعور بمعني الحياة” لا يسيران معًا بالضرورة جنبًا إلى جنب، مؤكدون على أن التركيز على “الانفعالات الإيجابي” فقط لا يفضي إلى “الإنجاز” ولا “الرضا عن الحياة”، ومن النتائج المهلمة في هذا الصدد ما يلي:

  • إشباع المرء لحاجاته ورغباته يعزز السعادة بالفعل، لكن لا تأثير له على الإطلاق على “جعل حياته مفعمة بالمعنى والقيمة والإثمار”، بما يعني أن تركيز المرء على الحصول على ما يريد يمكن أن يزيد سعادته، إلا أن هذه السعادة تبقى منقوصة بل وربما زائفة ما لا تكتمل بيقينه وشعوره بمعنى الحياة.
  • السعادة موجهة بالحاضر وتكمن جذورها في اللحظة الراهنة، بينما “المعنى” متعلق دائمًا بالماضي والمستقبل وكيف يرتبطان بالحاضر؛ ومن ثم يمكنك التركيز على الحاضر لزيادة سعادتك، لكن يجب عليك التنقيب في الماضي والمستقبل لنحت المعنى وصياغته ولتصبح حياتك هادفة وموجهة بقيمة وغاية.
  • من يبحرون في الحياة بذهنية “العطاء” أكثر شعورًا بمعنى الحياة وغاياتها النبيلة، بينما من يبحورن فيها بذهنية “الأخذ” ربما يكونون أكثر سعادة.
  • التوتر، المشقة، والقلق مشاعر تنتاب من لديهم هدفًا أصيلاً في الحياة وغايات إنسانية سامية ومعنى أخلاقي راقٍ في الحياة، وكذلك قد تكون المعاناة جزءً من حياتهم، وعليه يجب على الإنسان أن لا ينهار من “الخبرة” بالانفعالات السلبية”، بل عليه أن يجيد إدارتها وحسن التعامل معها في إطار مفهوم العناء القائم على المعني.
  • ترتبط النية والتوجه نحو الإعراب عن أصالة الذات والشعور بقوة الهوية الشخصية بالمعنى، وليس بالسعادة، فإن كنت تبحث عن المعنى، حاول أن تمارس أصالة ذاتك.

رابعًا- علم النفس الإيجابي- النظرية والمفاهيم:

الشيء الأكثر أهمية لفهم علم النفس الإيجابي هو أنه “علم”، “فرع من فروع علم النفس” وضمن تياره الرئيسي العام وليس خروجًا عليه ولا تقويضًا له، ورغم تصور البعض من منتقديه أنه “علم ناعم”، أو حتى “علم زائف”، إلا أن الثابت أنه فرع قائم على تطبيق المنهجي العلمي ونتائج تنظيرًا وتطبيقًا قائمة على الدليل.

وما يجب التوقف عنده ذلك التعبير الرائع عن طبيعة علم النفس الإيجابي الذي أفاد به أستاذ علم النفس في جامعة ميتشجان كريستوفر بيترسون Christopher Peterson (2008) “ينبغي أن لا يتصور أن علم النفس الإيجابي تيار ضمن توجه مساعدة الذات، ولا التوكيد غير الراسخ للذات، ولا الدين العلماني، بغض النظر عن ما نشعر به تجاه هذه التوجهات، علم النفس الإيجابي أيضًا ليس صيغة مستنسخة أو إعادة صياغة لمفهوم قوة التفكير الإيجابي، وليس وهمًا يروج لأسرار السعادة، إنما هو فرع وتخصص علمي ضمن تيار فروع علم النفس يرسخ لتوجه معاصر ضمن توجهات أخرى كثيرة”.

وواصل كريستوفر بيرتسون (2008) توضيحع لماهية علم النفس الإيجابي: نظرياته ومفاهيمه في ضوء ما كشفت عنه نتائج عديد من الدراسات في نطاقه، ومنها:

  • بطبيعة الحال يفترض أن ينشد الناس السعادة، فهي حلم وأمل كل إنسان وهذا أمر طبيعي.
  • السعادة واحدة من الأشياء الجيدة في الحياة، وتفضي السعادة إلى توليد الرغبة في مزيد من السعادة، ولكن السؤال كيف؟
  • غالبية الناس يتصفون بالمرونة والصمود.
  • السعاجة ومكامن القوة والعلاقات الاجتماعية الجيدة عوامل وقاية من خيبات الأمل والعثرات والإخفاقات.
  • تكشف الأزمات معدن الإنسان ومكامن قوته.
  • الآخرون مهمون في حياة الإنسان بل ولهم دور أساسي في جعل حياته جديرة بأنه تعاش.
  • المسائل الدينية والروحية عوامل أساسية في السعادة.
  • العمل محدد مركزي في جعل الحياة جديرة بأن تعاش، فضلاً عن كونه السياق الذي يكشف فيه الإنسان عن معنى الحياة والغرض منها.
  • تقل قيمة المال في تحقيق السعادة مع وصوله إلى مستوى معين، ومع ذلك يمكننا شراء السعادة عبر إنفاق المال على الآخرين.
  • اليوديمونيا Eudaimonia أي السعادة القائمة على الفضائل والأخلاقيات وحب الخير وإثبات أصالة الذات والإثمار (الهناء: الصيغة الأعمق للرضا أكثر من السعادة) أكثر أهمية من السعادة القائمة على السرور واللذة والاستمتاع hedonism (التركيز فقط على اللذة والانفعالات الإيجابية) في تحقيق الحياة الطيبة.
  • القلب أكثر أهمية من الرأس، أي لارتباطه بالمعاني الوجداني مثل: التعاكف والشفقة كون هذه المعاني أكثر أهمية من التفكير الناقد.
  • تتضمن كل الأيام الجيدة ثلاثة أشياء: الشعور بالاستقلالية والذاتية، الشعور بالكفاءة، والارتباط والتعلق الإيجابي بالآخرين.

وللحصول على وصف تفصيلي عام للنظريات والمفاهيم المركزية لعلم النفس الإيجابي يمكن الإبحار في الموقع الإلكتروني التالي والذي يقدم خريطة ذهنية لماهية علم النفس الإيجابي بمفاهيمه ونظرياته وأهدافه وموضوعاته positivepsychology.org.uk.

خامسًا- أهداف علم النفس الإيجابي (مجال التدريب):

يتعجل عديد من المتخصصين في الاندفاع هكذا تلقائيًا نحو تطبيق علم النفس الإيجابي في مجال التدريب متاجرة به وتأسيسًا له على غير ما يرغب أنصاره، ربما تحت ادعاء الرغبة في مساعدة الآخرين، وعلى أية حال تتمثل أهداف علم النفس الإيجابي في مجال التدريب على وجه التحديد فيما يلي:

  • التأثير الإيجابي على حياة العميل: ويعد هذا الهدف الهدف المركزي الذي تدور حوله كل الأهداف الأخرى التي سيرد ذكرها، بما يعني أن تحسين حياة العميل والارتقاء بها الغاية النهائية لعلم النفس الإيجابي في هذا السياق.
  • زيادة خبرة العميل بالانفعالات الإيجابية وتعايشه معها وصناعته لها.
  • مساعدة العميل في تعرف وتنمية وتعزيز مكامن قوته ومواهبه النوعية الفريدة.
  • تعزيز توجه العميل نحو وضع الهدف والمثابرة في استمثار قدراته لتحقيقه هدفه.
  • بناء وغرس الشعور بالأمل في التكوين النفسي للعميل.
  • تأسيس وبناء السعادة والهناء في الحياة في التكوين النفسي للعميل.
  • تنمية توجه العميل نحو الامتنان والعرفان بالفضل لأهله كمسار لطيب الحياة.
  • مساعدة العميل على تكوين علاقات بين شخصية إيجابية وودية مستدامة مع الآخرين.
  • تشجيع العميل على تبني نظرية تفاؤلية للحياة في الحاضر والمستقبل.
  • مساعدة العميل على الاستمتاع وتذوق مذاق كل لحظة إيجابية في حياته(Peppercorn, 2014).

سادسًا- علم نفس الإيجابي- مقدمة لنموذج بيرما PERMA Model:

علم النفس الإيجابي كيان ماثل أمامنا يمكن وصفه وتحديد ملامحه ورسم صورة فارقة له عن ما يحيط به، وعرفنا كذلك أنه كان جنينًا في رحم أمه من علاقة زواجية مشروعة اختمر في أحشائها ونما وعندما جاءت لحظة ولادته كتبت له شهادة ميلاد رسمية كان يتعين أن يذكر فيها اسمه وأصله ووجهته وطبيعته.

فكانت التسمية “علم النفس الإيجابي Positive Psychology” كترجمة وحيدة في واقع الأمر فيما أدعي لا تحتمل بنية “التعبير اللغوي” بدلالاته اللغوية المباشرة إلا هذه الترجمة، ومع ذلك وإن كان الاختلاف على الترجمة فإن الوجود والكيان والملامح والفاعلية والإثمار ظاهر بمستويات عيانية ومعنوية.

ولا ضير في أن يٌعْاد الوسم بعبارات أخرى قد تحتملها الدلالات الاصطلاحية للفكرة المركزية والافتراض الرئيسي لعلم النفس الإيجابي، إذ يمكن تسميته “علم نفس دراسة الإيجابية في الحياة” أو “حركة علم نفس دراسة التوجهات الإيجابية في الحياة” دون أن يعني ذلك على الإطلاق أن “قضايا الإيجابية في الحياة” أو “التوجهات الإيجابية في الحياة” حكرًا على هذا التيار أو ذاك.

ويمكن التأكيد على ذلك فيما يعرف بنقاط التقاطع بين علم النفس الإنساني ـ قد يظن إذن لو توقفنا عند كل تعبير من ناحية الدلالة اللغوية لقلنا هل يعني تعبير علم النفس الإنساني، وجود علم نفس غير إنساني؟ معلوم أن المدخل الإنساني في وصف وتفسير الظاهرة السيكولوجية مثل الموجة الثالثة من موجات الارتقاء في علم النفس، ولا يعني ذلك أن الموجات السابقة لم يعد لها وجود إنه فقط موزاييك المداخل لرسم الصوة الإجمالية التي لا يمكن لمدخل محدد الإحاطة بها ـ وعلم النفس الإيجابي أو حركة علم نفس دراسة الإيجابية في الحياة في ضوء مفهوم بالغ الدقة وبالغ الروعة في أدبيات الصحة النفسية وعلم النفس المعاصر هو مفهوم “الإنسانية الإيجابية positive humanism ” وهي فلسفة إنسانية تطبيقية مرتكزة على النتائج العلمية لعلم النفس الإيجابي في تركيزها على الازدهار الشخصي والمهني والمجتمعي العام.

وبترجمة هذه النتائج إلى فلسفة تطبيقية نجد أنها تطرح حلولاً عملية لتحسين وزيادة التنعم وطيب الحياة، وهي كفلسفة تطبيقية تعتمد على نظريات علم النفس الإيجابي التي تصف وتحلل وتفسر ما يصح تسميته بمتصل الصحة النفسية ـ الازدهار البشري mental health spectrum—human thriving، وتركز هذه الفلسفة على استثمار استراتيجيات إجرائية لمساعدة الأفراد في كل مجالات الارتقاء والتطور والنجاح المهني، أساسًا من خلال التأكيد على الأفعال الاجتماعية الإيجابية pro-social acts وعبر تدعيم وترسيخ التوجه نحو التعاطف والإيثار.

ويعد نموذج بيرما في وصف ماهية وطبيعة الهناء في الحياة النموذج النظري المركزي في متن علم النفس الإيجابي، صاغه وطوره مارتين إلياس بيتر سيلجمان لوصف وتعريف “التنعم”، أو “الهناء في الحياة” wellbeingبصورة تفصيلية.

وتنطلق الفلسفة الإنسانية الإيجابية من المنظور التطبيقي من نموذج بيرما PERMA model في وصف وتفسير التنعم وفقًا لتصورات مارتين سليجمان بمكوناته الخمسة التي تتمثل فيما يلي:

  • الانفعالات الإيجابية Positive Emotions وتمثل العنصر الأول في نظرية “الهناء” أو “التنعم” أو “حسن الحال” أو “طيب الحياة” …. Well-being theory وتجسد ما يشار إليه اصطلاحًا “بحياة الابتهاج والسرور the pleasant life “
  • الاندماج Engagement يقصد بالاندماج حالة الاستغراق التام في الأنشطة والمهام التي يتعامل معها الإنسان بحيث يغيب شعوره بذات وبالوقت اقترنًا بمتعة ذاتية وهي تجسيد لحالة “التدفق Flow “.
  • العلاقات Relationships وتمثل نوعية علاقات الشخص المتبادلة مع الآخر الجانب الاجتماعي في نظرية “الهناء” أو “التنعم” أو “حسن الحال” أو “طيب الحياة” …. Well-being theory.
  • المعنى والمغزى والغرض Meaning and Purpose وتعكس توجه الشخص للتعلق الإيجابي بحالة وجود تتجاوز فضاءات الذات بتخومها الضيقة والإبحار في عالم متسامٍ أخلاقيًا يعيش فيه الإنسان لغاية إنسانية نبيلة بغض النظر عن سعادته الذاتية.
  • الإنجاز Achievement ويعكس توجه الإنسان إلى الإثمار الوجودي الذي ترتقي في إطاره الحياة بصفة عامة على المستوى الذاتي وعلى المستوى الاجتماعي، بما يستلزمه ذلك من مثابرة وإصرار وتصميم ودأب وجلد وتحمل وتضحية.

ويقدم هذا النموذج إطارًا مرجعيًا عامًا لفهم ماهية “التنعم أو الهناء في الحياة”، فضلاً عن أساس لتحسين ذلك الهناء والارتقاء به، وإذا أردت أن تحسن وتعزز شعورك بالسعادة الأصيلة والهناء النفسي العام في الحياة، يفترض بك أن تركز على ما يلي:

  • حاول التعايش مع مزيد من الانفعالات الإيجابية تلمسًا وصناعة وترقبًا واستمتاعًا بها، مع الاجتهاد في فعل كل ما يمكن أن تسعد به خلال روتين حياتك اليومية.
  • احرص على الاندماج في الحياة تقبلاً وترحيبًا بوقائعها وخبراتها وعطائها اليومي، مع الاستمتاع بهوياتك واهتمامات الشخصية وتطوير مهاراتك والبحث عن عمل يلبي شغفك ويتوافق مع طموحك.
  • الاجتهاد في تحسين علاقاتك بالآخرين والعمل على تأسيس علاقات بين شخصية ودية إيجابية قوامها المساندة والتفهم مع أصدقائك وأسرتك والآخرين بشكل عام.
  • ابحث عن المعنى واعمل على اكتشافه وتخليقه وحاول التسامي بالذات في إطار التوجه للأعمال الخيرية وخدمة الآخرين وتوجيههم وإرشادهم.
  • ركز في أهدافك وحاول الاجتهاد التام في تحقيقها مع المحافظة على التوازن بين الجهد ومراعاة الجوانب والمجالات المهمة في الحياة (Seligman, 2011).

ويجدر التنويه إلى أن “المكونات الخمسة” لنموذج الهناء والتنعم “بيرما” قابلة للقياس، وهي معًا ضرورية لتحقيق الهناء العام في الحياة، ويعد تطويرًا لنموذج السعادة الأصيلة الذي صاغه مارتين سيلجمان من قبل والذي كان يركز فيه على “السعادة” و “الانفعالات الإيجابية” رغم كونهما أجزاء فقط في متلازمة التنعم والهناء في الحياة.

سابعًا- مفاهيم مركزية في علم النفس الإيجابي- الازدهار والتدفق:

  • الازدهارFlourishing:

عند التحدث عن مفهوم “الازدهار” من منظور علم النفس الإيجابي يؤكد بصورة عامة على أن “علم النفس الإيجابي” ما هو إلا “الدراسة العلمية الموضوعية لكل ما يؤدي إلى الازدهار والارتقاء في الحياةوالأداء النفسي الوظيفي الأمثل كأساس لطيب الحياة والهناء فيها”.

وعلى ذلك يعد الازدهار المفهوم المركزي بل والإطار العام الذي تنتظم في متنه مفاهيم علم النفس الإيجابي الآخرى ويشير إلى “حالة تتحقق عند تنمية مكونات نموذج بيرما كأساس لمسار الهناء والتنعم في الحياة”، ويزدهر الإنسان ويرتقي عندما نجتهد في تنمية مواهبه ومكامن قوته، وعندما نمكنه من تقصى معنى الحياة، وتأسيس علاقات إيجابية هادفة وذات معنى مع الآخرين، فضلاً عن تهيئة ظروفًا حياتية تجعله يستمتع بالحياة ويرحب بها ويقبل عليها ويندمج فيها ويثمر فيها وفقًا لتحقيقه لذاته واستثماره لقدراته.

من جانب يتعذر الحكم على إنسان ما بأنه ارتقى في الحياة وازدهر فيها بدون أن يكون له إنجازات ذات قيمة وأصالة مع تحقيقه لأهدافه وتوجهه للاندفاع الإيجابي في مسار النجاح في الحياة وعيش حياة طيبة وصالحة(Seligman, 2011).

ووصف اختصاصي وأستاذ علم النفس الإيجابي د. لين سوتس Dr. Lynn Soots (2018)  مفهوم الازدهار على النحو التالي “الازدهار دالة لمثابرة الإنسان وسعيه واندماجه في حياة أصيلة حقيقية تحقق له البهجة والسعادة الداخلية عبر تحقيق الأهداف والشغف بالحياة والإثمار فيها عبر كل دروبها ومسارتها”.

يضاف إلى ما تقدم تأكيد د. لين سوتس Dr. Lynn Soots (2018) على أن “الازدهار” ليس سمة

أو خاصية أو شيء يمتلكه الإنسان أو يفتقده، بل الازدهار عملية تتطلب فعلاً ومثابرة واجتهادًا ووضعًا قابل للتشكيل والصناعة ولا يهبه لك أحد بل يعتمد على متلازمة الاستقلالية والتصميم والمثابرة والاجتهاد والجلد والتحمل والدأب.

  • التدفقFlow:

مفهوم التدفق من الموضوعات المركزية الأخرى في بنية علم النفس الإيجابي، ويعد مهيالي تشكزنتمهيالي “مهاي تسكزنتمهاي المؤسس الثاني لعلم النفس الإيجابي” أول من قدم مفهوم “التدفق” في أدبيات علم النفس، فخلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، لاحظ ميهاي تسكزنتمهاي أن عديدًا من الفنانين يقعون في حالة نوعية خاصة من الوجود النفسي أثناء عملهم توصف بأنها حالة من التركيز التام والمطلق في المهمة التي يؤدونها لدرجة نسيانهم لأنفسهم وللزمن بصورة تامة لساعات طوال دون تعب أو ملل بل بسعادة وحبور كأنهم في حالة سُكر بالمعنى الصوفي إن جاز التعبير.

وواصل ميهاي تسكزنتمهاي دراساته في هذا المجال بدراسة “الرياضيين والموسيقيين والكتاب والفنانين من مختلف الفنون والإعمال الإبداعية” ووجد أنه مثل هؤلاء الأشخاص ينسون أنفسهم تمامًا أثناء عملهم ولا يرون إلا العمل الذي يقومون به، وبدأ ميهاي تسكزنتمهاي في وصف هذه الظاهرة في إطار ستة عوامل أساسية تتميز بها “حالة التدفق” وتتمثل فيما يلي:

  • تركيز تام ومطلق وشديد في اللحظة الراهنة.
  • اندماج الفعل في الوعي، بمعنى حضور واندماج الشخص بصورة تامة ومطلقة في أفعاله.
  • نقص أو حتى غياب الشعور بالذات ونقص الانتباه إلى الذات “السُكر عن الذات”.
  • الشعور بامتلاك الموقف وضبط والسيطرة عليه والاقتدار الشخصي.
  • تشوه الشعور بمرور الزمن.
  • اعتبار النشاط أو الموقف مثيبًا في حد ذاته، بمعنى الاندماج فيه للاستمتاع بالنشاط والعمل دون انتظار أية إثابات أو مكافآت من خارجه (Csikszentmihalyi, 1975).

من جانب آخر فإن من يدخل في حالة التدفق يندمج بصورة تامة وكلية فيما يقوم به من أعمال، وأن هذا الاستغراق التام ينشأ عندما تكون التحديات التي نواجهها ذات قيمة وأهمية وتتناسب مع قدراتنا ومهاراتنا للتعامل معها.

فعندما تكون قدراتنا ومهاراتنا مرتفعة والتحدي الذي نواجهه منخفض نصاب بالملل، وعندما يكون التحدي الذي نواجهه عال أو مرتفع وقدراتنا ومهاراتنا على التعامل معه منخفضة نصاب بالارتباك والتوتر، وعندما يكون التحدي الذي نواجهه منخفض وقدراتنا ومهاراتنا منخفض في نفس الوقت نعاني من البلادة والفتور، أما حالة التدفق الفعلية لا تتحقق إلا إذا كانت التحديات التي نواجهها مرتفعة ومهمة وذات قيمة وقدراتنا ومهاراتنا مرتفعة وتؤهلنا للتعامل معها.

ويجدر الإشارة إلى أن “الدخول” في حالة “التدفق” أمرًا يتضمن في بنيته الداخلية “الإثابة والمكافآة الذاتية” وغالبًا تجسد خبرة ممتعة؛ ومن ثم فإن التدفق يبدو مرتبطًا بصورة مباشرة بالتنعم والهناء في الحياة والسعادة والنجاح الأكاديمي، فضلاً عن العلاقات الإنسانية السوية والإيجابية(Csikszentmihalyi & Csikszentmihalyi, 1988).

ومن الأعمال العلمية التي وصفها فيها ميهاي تسكزنتمهاي خبرة وحالة التدفق ما يلي:

  • إيجاد التدفق: سيكولوجية الاندماج في الحياة اليومية (1998).
  • التدفق: سيكولوجية الخبرة المُثلى (2008).
  • الإبداع: التدفق وسيكولوجية الاكتشاف والابتكار (2013).

ثامنًا- أمثلة لعلم النفس الإيجابي في الممارسة “تطبيقات علم النفس الإيجابي”:

السؤال الأساس في هذا السياق ما تطبيقات علم النفس الإيجابي إن كان له كل هذه الأهمية من الناحية النظرية؟ ما يجدر التأكيد عليه أن مبادئ وممارسات وتدريبات علم النفس الإيجابي يمكن تطبيقها في عديد من مجالات وسياقات الحياة مثل: العلاج النفسي، الفصول المدرسية، بيئات العمل، وبل وحتى في البيئة المنزلية.

ومن بين الفنيات المهمة التي ثبت فائدتها في هذا الصدد ما يلي:

  • استخدام ما يعرف بطريقة خبرة جمع العينة ويشار إليها أيضًا بطريقة المذكرات اليومية أو اليوميات:

يمر  الإنسان في حياته اليومية بعديد من الأحداث والخبرات والمواقف على مدار اليوم يفترض أن يتوقف عندها وينتبه إليها مراجعًا لها ورصدًا لتأثيراتها عليه تفكيرًا وانفعالاً وسلوكًا. ولا ريب في أن تدوين هذه المواقف وتلك الأحداث أمرًا بالغ الأهمية ويعتمد عليه في عديد من التدخلات الإيجابية التي تستهدف تنمية وعي الإنسان بذاته وإكسابه ببصيرة بيومه وبأسلوبه في الحياة.

  • ممارسة تدوين صيحفة الامتنان:

تتضمن صحيفة الامتنانA gratitude journal طريقة يتمكن بموجبها الأشخاص من تعرف وتحديد والتدبر في كل الأشياء الجيدة في حياتهم، كل الأشياء والوقائع والأحداث التي تمثل هبات ونعم تلقيها عليهم الحياة على نحو يومي.

  • التدريب على ما يعرف بفنية “زيارة الامتنان”:

زيارة الامتنان أو خطابات الامتنان ممارسة يحدد بموجبها الإنسان شخصًا مدين له بالفضل والعرفان والإقرار ذلك الأمر والتعبير عن ذلك بخطاب أو تعبيرًا شخصيًا يصف فيه مشاعره ولماذا هو ممتن له، وإذا كان هذا الشخص قريب مكانيًا من الإنسان يمكن زيارته أو الاتصال الهاتفي معه أو الحوار المصور معه لشكره والثناء عليه وإطرائه ومدحه.

  • التركيز على تنمية مكامن القوة بدلاً من التخلص من جوانب الضعف ومظاهر القصور:

من الملامح الفارقة لعلم النفس الإيجابي في التدريب والإرشاد النفسي التركيز على مكامن القوة وجوانب التميز بدلاً من بواطن الضعف ومظاهر القصور. ويتأسس علم النفس الإيجابي على فكرة عامة مفادها أن تنمية مكامن القوة والتأسيس عليها أكثر قيمة ومسارًا فعالاً لتحقيق النجاح في الحياة.

  • العلاج الموجه نحو التنعم أو الهناءWellbeing therapy:

وهو مدخل كلي في العلاج النفسي يشبه العلاج المعرفي ـ السلوكي لكنه يركز على تنمية كل من “الجوانب الإيجابية” وتخفيف المظاهر السلبية في حياة العميل، وتأسست هذه الصيغة العلاج على نموذج كارول رايف عن “الهناء النفسي Carol Ryff’s model of wellbeing” والذي يعرف الهناء النفسي في الحياة كدالة للتفاعل بين ستة مكونات أساسية تتمثل في: التمكن البيئي أى القدرة على ضبط البيئة والسيطرة عليها، الارتقاء الشخصي، الغرض من الحياة، الذاتية والاستقلالية، تقبل الذات، والعلاقات الإيجابية(Harvard Health Publishing, 2008).

  • العلاج النفسي الإيجابيPositive psychotherapy:

ويشبه العلاج القائم على الهناء أو التنعم، لكنه يتضمن حقيبة عامة من الفنيات والتدريبات التي تستخدم في العلاج، ونقطة تركيزه هي بناء الانفعالات الإيجابية، تنمية مكامن القوة وجوانب التميز، والشعور بمعنى الحياة.

ويحتوي العلاج النفسي الإيجابي (12) تدريبًا عامًا تستخدم في العلاج النفسي منها: ممارسة ما يعرف بالتدريب على استخدام بصمات القوة، تدوين صحف الامتنان، وزيارات الامتنان(Harvard Health Publishing, 2008).

وللقراءة عن قوة تطبيق مبادئ علم النفس الإيجابي في الممارسات المهنية ينصح بالاطلاع على كتاب “علم النفس الإيجابي في الممارسة Positive Psychology in Practice” تأليف أليكس لنلي Alex Linley، وستفين جوزيف Stephen Joseph.

تاسعًا- نقد حركة علم النفس الإيجابي:

رغم أن علم النفس الإيجابي حظى باهتمام لا مثيل له مقارنة بفروع علم النفس الأخرى، إلا أنه ومنذ تأسيسه تعرض لانتقادات حادة من قبل عديد من المتخصصين في الدراسات النفسية، حيث عرض عدد من أبرز علماء النفس في سنة 2015 وفي أحد المؤتمرات العلمية الهامة في  المجال كثيرًا من الانتقادات والتي يمكن  تناول أهمها على النحو التالي:

  • نتائج دراساته البحثية ربما غير صادقة ومبالغ فيها وقد تكون مضللة:

علم النفس الإيجابي شأنه شأن أي مجال علمي آخر، عرضة لعديد من الأخطاء فيما يتعلق برؤاه ونتائج دراساته، ورغم الإثارة العامة المصاحبة لحركة علم النفس الإيجابية في صورتها التقليدية وما نتج عنها من زخم ونتائج دراسات بحثية إلا أنها ذات طابع شديد العمومية وقد يتعذر تطبيقها بصورة عامة في كل سياقات ومواقف الحياة أو العالم الواقعي.

ورغم ذلك فإن هذا الأمر لا يعني أن علم النفس الإيجابي ينقصه  الإحكام العلمي، إلا أن التسرع في التوجه نحو المنحي التطبيقي رتب عديد من الثغرات ومظاهر القصور التي ما كان لها داعٍ على الإطلاق؛ ومن ثم يتوجه أنصار علم الإيجابي في ثوبه المعاصر نحو تصويب مثل هذه المظاهر.

  • المبالغة الشديدة في التأكيج على التقارير الذاتية وبيانات المسوح عبر الثقافية:

وهذه نقطة بالغة الخطورة في واقع الأمر، فكثير من أدبيات علم النفس الإيجابي يرتكز على بيانات المسوح، ورغم أن بيانات المسوح ليست حكرًا على علم النفس الإيجابي، إلا أن المبالغة في تأسيس علم النفس الإيجابي على نتائج أمرًا يثير تشكيكًا فيها.

  • علم النفس الإيجابي يرتكز على التحيز الثقافي والعرقي:

أجريت ونشرت غالبية بحوث علم النفس الإيجابي في المجتمعات الغربية، ومن الواضح أن معظم الإصدارات العلمية والدراسات البحثية تعاملت ووجهت للطبقة المتوسطة البيضاء، والتي لا تعاني من متاعب الحياة كما هو حال الناس في المجتمعات الأخرى ذات الثقافات المختلفة، الأمر الذي سوغ مقولة أن علم النفس الإيجابي هو علم نفس الرجل الغربي الأبيض الأمريكي ربما على وجه التحديد.

  • الإلحاح الشديد في أدبيات علم النفس الإيجابي على المنظور الفردي والمبالغة في الفردية:

من النقاط الأخرى في علم النفس الإيجابي ذلك التركيز المبالغ فيه على الفرد: على الخبرات الشخصية، السمات والخصائص الفردية، على العمليات والظواهر النفسية داخل الشخص؛ ومن ثم تضييق نطاق الخبرة الإنسانية مع قصور ونقص في الانتباه إلى العلاقات وفرق العمل والجماعات والمنظمات.

  • علم النفس الإيجابي مجرد ترقية لما يعرف بالشخصية الواهمية أو نمط شخصية بوليانا، دون التقصي الحقيقي والاستكشاف الفعلي للحياة الطيبة:

من الانتقادات الجوهرية لعلم النفس الإيجابي تركيزه على الترويج دون إدراك لما يعرف بمبدأ بوليانا كوصف لحالة الأشخاص السعداء والمبتهجون والمرحون على الدوام دون وجود شواهد واقعية تسوغ ذلك.

عاشرًا- سبعة تعريفات إضافية لعلم النفس الإيجابي:

  • يمكن عرض أبرز تعريفات علم النفس الإيجابي على النحو التالي:
  • “علم النفس الإيجابي الدراسة العلمية للظروف والعمليات التي تسهم في تحقيق الازدهار أو الأداء النفسي الوظيفي الأمثل للناس والجماعات والمؤسسات”

Gable, Shelly L., Haidt, Jonathan, What (and Why) Is Positive Psychology?

  • علم النفس الإيجابي “فرع من فروع علم النفس يستثمر الفهم العلمي والتدخل الفعال للمساعدة في تحقيق حياة مرضية ومثيبة وسوية أكثر من مجرد علاج الأمراض النفسية”.Wikipedia.
  • علم النفس الإيجابي “الدراسة العلمية لكل ما يجعل الحياة جديرة بأن تعْاش”.

Peterson, Christopher, What is positive psychology and what is it not?

  • علم النفس الإيجابي “الدراسة العلمية للازدهار الإنساني، ومدخل تطبيقي للأداء النفسي الوظيفي الأمثل، ويعرف أيضًا بأنه “دراسة مكامن القوة والفضائل التي تمكن الأفراد والمجتمعات والمنظمات من الازدهار والارتقاء “Positive Psychology Institute.
  • “يتعذر حصر علم النفس الإيجابي في مجرد تصويب الضرر أو علاج الاضطرابات النفسية؛ لكونه فرعًا يتسلح بأفكار إبداعية ورؤى تصورية ووسائل منهجية تستهدف تحسين وتغيير ظروف الناس وتجويد حياتهم”.

Wong, Paul T. P., Wong, Lilian C. J., McDonald, Marvin J., Klaassen, Derrick W.,  2012, The Positive Psychology of Meaning and Spirituality

  • يعرف علم النفس الإيجابي بأنه “الدراسة العلمية لمكامن القوة والفضائل الإنسانية”، وعلم النفس الإيجابي وفقًا لتصورات مارتين سيلجمان الأب المؤسس له بأنه “الدراسة العلمية لكل ما يشكل الحياة السارة، وحياة الاندماج، والحياة الهادفة المعمة بالمعنى”.

Batthyany, Alexander, Russo-Netzer, Pninit, Meaning in Positive and Existential Psychology

  • علم النفس الإيجابي “مدخل علمي وتطبيقي للكشف عن مكامن القوة لدى البشر، وترقية الأداء النفسي الوظيفي الإيجابي” (Hugo Alberts). أو علم النفس الإيجابي “تخصص يهتم بدراسة كل ما هو صائب في العقل والسلوك البشري وكيف يمكن تنمية وتعزيز أنماط الهناء والتنعم في الحياة على المستوى الفردي وعلى المستوي الجماعي” (Seph Fontane Pennock: com).
  • ما علم النفس الإيجابي؟ وكيف ظهر إلى الوجود؟

وجه السؤال الذي مفاده “ما الخطأ في البشر”؟ ما جوانب القصور ومظاهر الضعف لدى البشر؟ تفكير عديد من الباحثين وأجريت دراسات علمية لا حصر لها للإجابة عن مثل هذه النوعية من الأسئلة خلال القرن العشرين، ويستحيل بطبيعة الحال إنكار حتمية وأهمية الإجابة العلمية عن هكذا أسئلة، وواقع الحال توصل المتخصصون في علم النفس عبر محاولاتهم البحثية للإجابة عن هذه الأسئلة إلى فهم عميق لعديد من الاضطرابات والأمراض النفسية وترتب على ذلك أيضًا تطوير علاجات نفسية على درجة عالية من الفاعلية في التعامل مع نطاق واسع من الاعتلالات والمشكلات النفسية.

إلأ أن تلك المبالغة التامة في التركيز على الجوانب السلبية للتنعم والهناء والصحة مثل: المتاعب والكروب والمشاق والأمراض، حصر انتباه المتخصصون في العلوم النفسية فيما يعرف فكرة “المرض”، الأمر الذي لون علم النفس بمظلة ما يعرف بعلم المرضpathology، بغية تصويب وإصلاح وعلاج أمراض الإنسان النفسية ومتاعبه دون تركيز مماثل على العوامل التي تجعل الحياة جديرة بأن تعاش ربما تسلحًا بوهم أن تعافي الإنسان من اعتلالاته المؤشر الأساسي لصحته النفسية بما يتناقض أصلاً مع تعريف الصحة النفسية الذي أصلته منظمة الصحة العالمية منذ نشأتها والذي مفاده أن “حالة من العافية البدنية والعقلية والاجتماعية وليست مجرد الخلو من المرض أو العجز، أو الصحة النفسية “حالة من اكتمال السلامة بدنيًا وعقليًا واجتماعيًا، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز”. بما يتضح معه الإلحاح على أن المعيار المركزي للصحة النفسية هو حالة “الهناء والتنعم أو العافية” كمقوم أساس للإثمار في الحياة والابتهاج فيها وفقًا لمتلازمة: الشعور بحس الحال × الأداء النفسي الوظيفي الأمثل.

وكان علينا أن ننتظر حتى نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين ليعاد الاعتبار لهذا التصور ولإعادة طرح سؤال مقابل مفاده “ما الصواب في الطبيعة البشرية”؟ ما مكامن القوة وجوانب التميز والسجايا والفضائل الإنسانية الإيجابية في الشخصية؟ ما مقومات وملامح الإيجابية في الطبيعة البشرية والوجود الإنساني؟ وتمثل هذه الأسئلة قلب علم النفس الإيجابي نواة ومدارات، بما اقترن بذلك من تأسيس لمدخل أو توجه أو تيار علمي وتطبيقي للاستقصاء مكامن القوة وجوانب التميز لدى البشر واستكشافها ومن ثم ترقية كل الأداء النفسي الوظيفي الأمثل لهم.

الأمر الذي رتب توجهًا نحو تركيز دراسات علم النفس الإيجابي في هذا السياق تنظيرًا ووصفًا وتفسيرًا وقياسًا لمقومات الإيجابية ومظاهرها وملامحها، بما صاحب ذلك من تطوير لعديد من صيغ التدخل لترقية وتعزيز “التنعم والهناء في الحياة”، والارتقاء بنوعية الحياة البشرية بصفة عامة.

وعلى ذلك قد يكون من المفيد في هذا السياق إعادة التذكير بتعريف علم النفس الإيجابي وفقًا لمركز علم النفس الإيجابي بجامعة بنسلفانيا باعتباره الجهة العلمية الأولى في هذا الصدد ومفاده أن علم النفس الإيجابي”الدراسة العلمية لمكامن القوة والفضائل التي تمكن الأفراد والمجتمعات من الازدهار”، ويرتكز مجال علم النفس الإيجابي على اعتقاد عام مفاده أن الناس يرغبون في:

(أ) تكوين وقيادة حياة مفهمة بالمعنى والإثمار.

(ب) تنمية وترقية أفضل ما فيهم من سجايا وفضائل وقدرات.

(ج) تحسين وتعزيز خبراتهم في: الحب، العمل، واللعب.

من جانب آخر يعرف علم النفس الإيجابي بأنه “يعرف علم النفس الإيجابي بأنه “الدراسة العلمية للأداء النفسي الوظيفي الإنساني الأمثل ويستهدف الكشف عن وتنمية العوامل التي تسمح للأفراد والمجتمعات بالازدهار”. وجاء علم النفس الإيجابي وفقًا لما رأى مارتين إلياس بيتر سيلجمان Martin Seligman مؤسس وأب علم النفس الإيجابي:

  • كرد فعل على علم النفس العادي أو التقليدي.
  • التركيز طويل المدى خلال تاريخ ومسيرة علم النفس على تحقيق الشفاء من المرض النفسي والعودة إلى ما يعرف بالنقطة صفر أو خطة الأساس.
  • الإسراف في استخدام نموذج المرض في الوصف والتفسير.

وتبعًا لذلك يجتهد أنصار علم النفس الإيجابي في مساعدة الناس على رعاية وتنمية مواهبهم وسجاياهم وتحسين الحياة العادية السوية، وبناء على ذلك التصور يتضمن علم النفس الإيجابي نسقًا متنوعًا من المفاهيم المفتاحية المركزية تتمثل أبرزها في: السعادة، الهناء، التفاؤل، الأمل، مكامن القوة، الدافعية والأهداف.

اثتنا عشر- مصادر المقال:

  • المصدر الرئيسي:
  • Courtney E. Ackerman (2020). What is Positive Psychology & Why is It Important?:https://positivepsychology.com/what-is-positive-psychology-definition/
  • المراجع التي اعتمدت عليها (كورتني إي أكرمان، 2020):
  • Aknin, L. B., Norton, M. I., & Dunn, E. W. (2009) From wealth to well-being? Money matters, but less than people think, The Journal of Positive Psychology, 4,523-527.
  • Barraza, J. A., & Zak, P. J. (2009). Empathy towards strangers triggers oxytocin release and subsequent generosity. Annals of the New York Academy of Sciences, 1167,182-189.
  • Baumeister, R. F., Vohs, K. D., Aaker, J., &Garbinsky, E. N. (2012). Some key differences between a happy life and a meaningful life. Journal of Positive Psychology, 8,505-516.
  • Del Valle, C. H. C., &Mateos, P. M. (2008). Dispositional pessimism, defensive pessimism and optimism: The effect of induced mood on prefactual and counterfactual thinking and performance. Cognition & Emotion, 22,1600-1612.
  • Dillard, A. J., Midboe, A. M., & Klein, W. M. P. (2009). The dark side of optimism: Unrealistic optimism about problems with alcohol predicts subsequent negative event experiences. Personality & Social Psychology Bulletin, 35,1540-1550.
  • Dunn, E. W., Aknin, L. B., & Norton, M. I. (2008). Spending money on others promotes happiness. Science, 319,1687-1688.
  • Fowler, J. H., & Christakis, N. A. (2008). Dynamic spread of happiness in a large social network: Longitudinal analysis over 20 years in the Framingham Heart Study. The BMJ, 337.
  • Harvard Health Publishing. (2008). Positive psychology in practice. Harvard Mental Health Letter.Retrieved from https://www.health.harvard.edu/mind-and-mood/positive_psychology_in_practice
  • Howell, R. T., & Hill, G. (2009). The mediators of experiential purchases: Determining the impact of psychological needs satisfaction and social comparison. The Journal of Positive Psychology, 4,511–522.
  • Jenkinson, C. E., Dickens, A. P., Jones, K., Thompson-Coon, J., Taylor, R. S., Rogers, M., Bambra, C. L.,…, & Richards, S. H. (2013). Is volunteering a public health intervention? A systematic review and meta-analysis of the health and survival of volunteers. BMC Public Health, 13,773-782.
  • Kjerulf, A. (2016, January 18). The 5 most important findings from the science of happiness that apply at work. The Chief Happiness Officer Blog.Retrieved from https://positivesharing.com/2016/01/positive-psychology-at-work/
  • Layous, K., Nelson, S. K., Oberle, E., Schonert-Reichl, K. A., & Lyubomirsky, S. (2012). Kindness counts: Prompting prosocial behavior in preadolescents boosts peer acceptance and well-being. PLoS ONE, 7.
  • Lyubomirsky, S., King, L., & Diener, E. (2005). The benefits of frequent positive affect: Does happiness lead to success? Psychological Bulletin, 131, 803-855.
  • Mentor Coach LLC. (n.d.). What IS positive psychology? MentorCoach – Positive Psychology & Coaching.Retrieved from http://www.mentorcoach.com/positive-psychology-coaching/
  • Peppercorn, S. (2014). The benefits of positive psychology coaching. Positive Workplace Partners.Retrieved from http://positiveworkplacepartners.com/the-benefits-of-positive-psychology-coaching/
  • Peterson, C. (2008). What is positive psychology, and what is it not? Psychology Today.Retrieved from https://www.psychologytoday.com/us/blog/the-good-life/200805/what-is-positive-psychology-and-what-is-it-not
  • Scott, B. A., & Barnes, C. M. (2011). A multilevel field investigation of emotional labor, affect, work withdrawal, and gender. Academy of Management Journal, 54, 116-136.
  • Seligman, M. E. P. (2011). Flourish: A visionary new understanding of happiness and well-being.New York City, NY: Atria Books.
  • Seligman, M. E. P., Steen, T. A., Park, N., & Peterson, S. (2005). Positive psychology progress: Empirical validation of interventions. American Psychologist, 60, 410-421.
  • Soots, L. (n.d.). Flourishing. Positive Psychology People.Retrieved from http://www.thepositivepsychologypeople.com/flourishing/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى