شكراً ناظم حكمت

عليّ جبّار عطيّة | رئيس تحرير جريدة (أوروك) العراقية


بعض الناس حين تلتقيه ـ ولو بشكلٍ عابرٍ ـ ينقل إليك تفكيره السلبي، وأفكاره السود مباشرةً، وحين يغادر المكان يورثك الضيق الشديد، و الأسى، والهم، والغم لأنَّ له مهارةً جيدةً في تعكير الأجواء، وتجميع الغيوم والهموم ! وتروح تبحث في بطون الكتب لعلك تجد تفسيراً لسلوك مثل هذه الشخصيات المحبِطة والمُحبطَة.
إنَّ معرفة أسباب هذه الحالة لا تحل المشكلة، ولا تجدي النصائح مثل قولهم : (أنظر إلى نصف الكأس الملآن)… قرأت شيئاً من حياة الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت فوجدتُ أنَّه برغم كل سنوات القهر وسلب الحرية، والابتعاد القسري عن الوطن إلا أنه كان متفائلاً، ويبث التفاؤل في قصائده.
يقول في أشهر قصائده :
( أجمل البحار
هو ذلك الذي لم نذهب إليه بعد
وأجمل الأطفال
من لم يكبر بعد
وأجمل أيامنا
لم نعشها بعد
وأجمل ما أود أن أقوله لك
لم أقله بعد )..
عندما يقرأ المرء مثل هذا الشعر أول مرةٍ يظن أن قائله يعيش في جنةٍ أرضيةٍ، ولا يدري أنَّ الذي كتبه عانى من السجن الطويل بسبب آرائه اليسارية أكثر من خمس عشرة سنة.
ولد الشاعر ناظم حكمت في سالونيك شرق اليونان سنة ١٩٠٢م. ثم انتقل هو وصديقه (فالا نور الدين) إلى أنقرة عام ١٩٢١م ، وعملا في التعليم في مدينة بولو التركية الواقعة بين إسطنبول وأنقرة. وسافر ناظم حكمت و صديقه إلى موسكو، والتحقا بالجامعة الشيوعية للعمال الشرقيين، وتعلما الشعر الحر، وأنهى الجامعة سنة ١٩٢٤م. وبعدها حُكم عليه غيابيًا بالسجن ١٥ عاماً
وفي عام ١٩٢٨م، نشر كتابه الأول (الأغنية الشعبية لعاشقي الشمس) في باكو، ثمَّ عاد في العام نفسه إلى بلده فقبض عليه ونفي إلى أنقرة، ثمَّ أُطلق سراحه بعد فترة قصيرة.
في عام ١٩٣٣م حُكم عليه بالسجن ٥ سنوات، ثمَّ أُفرج عنه.
في سنة ١٩٣٦م، أُلقي القبض عليه بتهمة تحريض الطلاب على السلطات، وحُكم عليه بالسجن ١٥ سنة، ثم أحضر إلى سجن إسطنبول وحكم عليه بالسجن ٢٠ عاما أخرى في المحكمة العسكرية.
يكتب عن تجربة سجنه:
(لقد أدركونا
فنحن، الاثنان، في السجن
أنا داخل الجدران،
وأنت خارجها.
ولكن ما هو أسوأ من ذلك
هو أن نحمل السجن في نفوسنا) .
في عام ١٩٥٠م أضرب عن الطعام فنُقل إلى مستشفى جراح باشا في إسطنبول بسبب تدهور وضعه الصحي.
غادر ناظم حكمت السجن سنة ١٩٥٠م مستفيداً من قانون العفو ،ولأنَّه مُراقب اضطر إلى السفر فوصل إلى موسكو عام ١٩٥١م عبر بلغاريا ورومانيا عن طريق البحر الأسود.
سُحبت منه الجنسية التركية مطلع الخمسينيات حتى وفاته سنة ١٩٦٣م في موسكو التي دُفن فيها.
في سنة ٢٠٠٩م أُعيد له الاعتبار في حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا، و أُعيدت له الجنسية التركية !
أهم مؤلفاته كتاب (مشاهد من مسقط رأسي) بدأ بكتابته في السجن عام ١٩٤١م وهو كتاب شعر ونثر وأفكار.
حين تطالع أشعاره يمنحك الأمل، ويجعلك تعيد النظر في ما حولك.
شكراً ناظم حكمت فقد تعلمنا منك الكثير.. تعلمنا منك الثقة في الأشياء، خاصةً حين تقول : (ثق في الحب، وفي الأرض، وفي البحر).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى