السعادة قطوفها دانية؛ لكن مفيش حاجة من غير تمن

د. أسماء السيد سامح | مصر

اللوحة للفنان السويسري: لويس ليوبولد روبرت

من أكبر أسباب الزلازل والبراكين في العلاقات، إن أحد الطرفين يمرّ بتجارب كتير قوي وضغوط واختبارات -مش كلها اختيارية!- تغيّر حمضه النووي وطريقة تفكيره وانحيازاته وتعاطيه مع كل القضايا، في ما الطرف التاني – خصوصا لو ما بيحبش التجريب واكتساب الخبرات أو منغلق ومنطوي ومقتنع بما حقق- بيقف عند مرحلة معينة وبيكتفي بيها، وبيشوف إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان وأهي أيام وبتعدّي، وهنا بيبقى حرفيًا: فيه فرق في السرعات سيدي الرئيس!

وفي الوقت اللي بنتصوّر فيه إننا بنجري في التراك نفسه وهنوصل للنقطة عينها مع بعض، بنبص ورا نلاقينا لوحدنا تمامًا، وكل افتراضاتنا إنه جاي أهو، مسافة السكة بس، بتروح هَدَر، لأننا قيّمناه غلط، أو حمّلناه فوق طاقته، أو ما فتحناش له الباب اللي اتفتح لنا، أو كنا أنانيين وفكرنا في نفسنا بس وما بذلناش مجهود إضافي عشانه!

الطرف الأنضج بيقيس بمقاييس تانية ومسطرة مختلفة وأدوات عملية أكتر ومساحة خبرات أكبر ونهم للمعرفة والاكتشاف، الطرف التاني ما يعرفش عنها حاجة ولا مؤمن بجدواها ونتيجتها فمش بيعترف بيها، وبدل ما يعتبرها علامة على اتساع الرؤية بيتوجس منها خيفة ويحطها في بند التغيير السلبي اللي جاي ياخد منه مكتسباته أو يعيد صياغة وضع اتعود عليه لسنين، فبيقاوم بضراوة -وأحيانا بغباء- عشان يرجّع الأمور لما كانت عليه من ١٠ سنين مثلًا!

التطوّروالتكيّف والتأثير والتأثر: سُنّة بشرية، واللي ما بيتطوّرش: الجماد والميت بس (حتى النبات والحيوان بيطور أساليبه للتكيف مع مختلف البيئات)، أما الحي فلازم كل شوية يراجع اللي وصل له، ويفكّر نفسه باللي محتاج يحققه، وازاي، ويحط نفسه تحت ضغط، ويختبر مهارات جديدة، ويضع خطة -مرنة- تستلهم كل المستجدات وتراعي -في الوقت نفسه- بشريته وضعفه وهشاشته اللي مش خافية على حد.

والطريق لإصلاح العلاقات عمومًا بيبدأ من الاعتراف بوجود خلل ما: إحنا مش مبسوطين مع بعض، بقينا بنأدي واجب ومش حاسين إننا مكفيين بعض، إحنا مشغولين بالعيال طول الوقت ونسينا إننا نفسنا لسه أصلا عيال وعايزين نجري ونتنطط ونجرب حاجات جديدة، إحنا ما عدناش شايفين بُكره ولا منتظرينه وأهي أيام وبتعدي!

الخطوة التانية إننا نفتح المجالات قدّام بعض، نشارك حبايبنا في التفاصيل والخبايا والمخاوف والهموم والرغبات، ونحاول -بجهد حقيقي- نصنع أرض مشتركة من أول وجديد، بدل اللي باشت بفعل السنين والروتين والقرب الشديد لدرجة إننا حفظنا بعض بالحرف!

الخطوة التالتة: الصبر، الصبر، الصبر، مفيش حاجة بتحصل بين يوم وليلة، وإحنا مش بنأدي واجب هنا، إحنا بنخلق الحياة في جوفنا، وبنعيد ترتيب العالم حوالينا، فزي ما صبرنا سنين على التجارب الفاشلة والعلاقات المؤذية والناس اللي ما تستاهلش، نصبر شوية كمان على الحاجات الحقيقية اللي بإيدها تهبنا الخلاص والسكن وتوقّفنا على بداية طريق حقيقي ليه ثمرة ونهاية محددة ومعروفة!

التجديد عموما والانفتاح بوابة إحياء العلاقات الموشكة على الموت، مع الوضع في الاعتبار إن هيبقى فيه إخفاقات من حين لآخر، وعدم توافق ساعات، وأعراض انسحاب، وصدمة، وغضب، ومقاومة للتغيير، وحنين.. لأن الإنسان عبد لما أَلِفَه، وأتقل حاجة على نفسه يجرّب حاجة تحتمل الفشل والنجاح وتضعه على المحك، مع ذلك الجايزة كبيرة: إنك تلاقي السعادة الحقيقية اللي يمكن بتدوّر عليها برّه وهي قدام عينيك طول الوقت، وإنك تعرف نفسك على ضوء جديد، وتستجيب لأمر الله فيك بالخلافة في الأرض بدل تيه بني إسرائيل ده اللي عايشين فيه من يوم ما اتولدنا!

السعادة قطوفها دانية حقًا، لكن مفيش حاجة من غير تمن، والمحرومين هم اللي اقتنعوا إنها قدر ما بيتغيّرش، فيما هي قرار، بناخده ونتحمل نتيجته للآخر، وإلا بنفلته من بين إيدينا في لحظة حاسمة فيبقى ملك للظروف، فتبيع وتشتري فينا براحتها!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى