رَائِحةُ المَنافي

فايز حميدي | أديب فلسطيني مغترب في أوروبا

اللوحة: Lucian Opriceanu

ما كَبوتُ ارتِباكاً أو ذُهولاً يا فَتاتي
ثُمةَ ضياءٌ
كَزُرقةِ البَّحرِ هادئةً
كَرهافةِ الرِّيحِ
هوَ السجالُ بينَ فُؤادي والسِنين
والليلُ الطَويل خلفَ أسوارَ الحنينِ

هي رائحةُ المنَفى :
الوَجعُ الخَفيُّ والوجوهُ الغَامضةُ
وَفرطٌ في العَواطفِ المَائجةِ
والبللُ الرقيقُ في العينينِ
وانكساراتُ الخُزامى
طفلٌ في طورِ الكهولةِ

هي تلكَ البلادُ التي تأكلُ أبناءُها
وتتركُ الزهرَ رَمادا
وزائرُ الغَفلةِ في مِخْيالِه رائحةُ القتلِ!
وسكرةُ الرَدى في بِلادِ القَمحِ جوعاً
في بلادِ الياسمينِ

في فَمي ماءٌ ، وأسألُ :
هل نحنُ عَربٌ ؟
وهل أخوتُنا العربُ عَرباً ؟
الأبوابُ تُسمعُ ولا تُفتحُ !!
والأرضُ فارغةً تتجشأُ فَراغها
دَماً
وَدَمعاً
وَخُذلاناً
ترقصُ للأفولَ ، مشلولةُ الخُطى

مُتشردٌ بينَ الجُرحِ والجُرح
لا بيتَ يَأويني من الطَوفانِ ..
الجِراحُ تُضيئُني
والدربُ حقلُ ألغامٍ

أنشدُ ملمحاً يُعطي لِتَاريخِنا
الرَّماديُ قوسَ قُزح
ويغسلُ من الحَاضرِ
غطرسةَ الهَراوة وغيمُ الغُبار
وركامُ المَاضي العَتيق ..
لَكِنَّها الأَيامُ حَفرتْ في الجَبينِ

أَهفوا إلى زمنٍ بِلا عِنوان
أتسلقُ حوائِطَ الظِلالَ
ورَنينُ المَوجُ يهطلُ في دَمي
يُناجي النوارِسَ وعَصافيرَ الجَليل
والبِلادُ يا أُمي يَحرُثها الرَّحيل

العالمُ يا فَتاتي طَافحٌ بالضَلالةِ
يتنفسُ الفضيحةَ المُؤجَلة
بَشوشاً كالريحِ يُنادم الأُفقَ

والنيلُ سَكينَة المنازلِ المهجورةِ
ضَائعٌ ، يَرتَدي رِداءَ الحُضور
والفراتُ نهرٌ من الدمِ وعاصمةٌ للدَمع
وَكم يُعذِبُني يا أُمي
وجهُ يَبوسَ* الحَزين ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى