لبنان وكيف دمره السياسيون الفاشلون ؟

توفيق شومان | مفكر لبناني

بلغ حجم الإقتصاد اللبناني في عام 1960 حوالي 830 مليون دولار، ولم يتجاوز حجم اقتصاد سنغافورة في العام نفسه 700 مليون دولار ، وفي عام 2019م، تعدى حجم الإقتصاد في سنغافورة 365 مليار دولار، وتدنى حجم الإقتصاد اللبناني إلى ما دون ال40 مليارا.

تلك صورة أولية عما كان عليه لبنان، قبل أن يحوله السياسيون الفاشلون ـ الفاسدون إلى دولة فاشلة .

أغلب السياسيين اللبنانيين الفاشلين والفاسدين والأميين ، لا يعرفون أن الليرة اللبنانية في سبعينيات القرن العشرين ، كادت في طريقها للتحول إلى عملة تجارية ـ دولية ، وفي الطريق نحو ” تدويل ” الليرة اللبنانية ، راحت دولة مثل الهند تعتمد العملة اللبنانية في تعاملاتها التجارية ، وكذلك هو الأمر مع شركة ” رينو ” الفرنسية ” لصناعة السيارات ، وشركة النفط الوطنية الجزائرية المعروفة ب ” سوناطراك ” .

قوة الليرة اللبنانية وثقلها (3 ليرات وعشرون قرشا مقابل الدولار الواحد ) في ستينيات القرن الماضي ، دفعت خبراء اقتصاديين وماليين لبنانيين وعربا ، إلى البحث والنقاش حول الذهاب إلى اعتماد الليرة اللبنانية عملة اقليمية على مستوى الشرق الأوسط ، وفي هذا السياق كتب الياس سابا ( مجلة ” الرائد العربي” ـ شباط / فبراير 1961) فقال : ” في مجال تثبيت قيمة نقده الخارجية ، على لبنان أن يقوم بكل ما من شأنه أن يعزز الليرة اللبنانية كنقد مناطقي يشمل الشرق العربي بكامله “.

لاحظوا كيف كنا وكيف صرنا

ولاحظوا أيضا ماذا كتبت ” الرائد العربي ” ( تشرين الأول / اكتوبر 1961) حول تحويل الودائع المالية في المصارف الوطنية من العملات الأجنبية إلى العملة اللبنانية :

” إن ارتفاع الودائع بالعملات الأجنبية وما رافقه من فائض كبير ومستمر في الخزينة العامة ، أدى الى ضغط غير متوقع على السيولة بالنسبة للعملة المحلية لدى البنوك ، و دفعت هذه الإعتبارات بعض الإقتصاديين اللبنانيين الى اقتراح تثبيت سعر الليرة اللبنانية مقابل العملات الأجنبية أو تبني قيمة اسمية لدى صندوق النقد الدولي ، وقد أصاب هؤلاء في قولهم إن ارتفاع قيمة الليرة اللبنانية هو دليل على قوة وسلامة ميزان المدفوعات ، وهناك اتجاه للتحول من العملات الأجنبية الى الليرة اللبنانية يأخذ بالظهور ، مما يسرع في ارتفاع قيمة الليرة اللبنانية “.

يكفي عن الليرة

ماذا عن الإقتصاد والتجارة ؟

يقول الأمير محمد علي باشا ( حفيد محمد علي الكبير ) في كتاب ” الرحلة الشامية ـ 1910 ” : إن مدينة بيروت من أهم وأشهر مدن بلاد الشام التجارية ، وبحسب ما جاء في كتاب ” دليل بيروت ” الصادر عام 1910 أن بيروت هي في الطبقة الأولى من المدن العثمانية ، وكتبت مجلة ” العرفان ” اللبنانية في عددها الصادر في تموز / يوليو 1923 فقالت :

” في سنة 1898، زار أمبراطور ألمانيا ( غليوم الثاني ) بيروت وقال عنها إنها درة في تاج آل عثمان ، و بيروت أخذت تنمو نموا سريعا ، وأصبحت البواخر تنتابها كل أسبوع ، وتُقدر ب 700 باخرة كل سنة ، حتى أنه لا يخلو مرساها كل يوم من عدة بواخر”.

ويقول فيليب مانسيل في كتاب ” ثلاث مدن مشرقية ” الصادر عن سلسلة ” عالم المعرفة ” الكويتية عام 2017 :

ـ في عام 1835 رسا في مرفأ بيروت 300 باخرة .

ـ وفي عام 1838 رسا في المرفأ 600 باخرة .

ـ ارتفعت قيمة الصادرات والواردات في بيروت من 10 ملايين فرنك عام 1825 إلى 77 مليون فرنك عام 1862.

ولعل أهم ما يقوله فيليب مانسيل خلاصته في التالي : إن الرأسمال اللبناني كان محليا منذ البداية ، وهذا على خلاف اسطنبول والإسكندرية ، ومثل هذا القول يقره زين نور الدين زين في كتابه الذائع الصيت ” نشوء القومية العربية ” ، وفي القولين ، ما يطيح ويُسقط كل الأقاويل والتقويلات الممجوجة حول ارتباط نشوء الرأسمال اللبناني بالتوظيفات الخارجية وإستراتيجياته غير الوطنية .

ماذا عن الصناعات ؟

كتبت جريدة ” العرب ” الفلسطينية بتاريخ 22 تموز / يوليو 1933 التالي :

” في سنة 1875 أسس المرحوم رشيد جبر معملا في بيروت لصنع ” الحلاوة ” و” الطحينة ” و ” راحة الحلقوم ” ، فكانت من أفخر الحلويات الوطنية ، وانتقلت ” عدوى الحلواء ” إلى الأميركان أنفسهم ، فاستولى ” معمل جبر” على أذواقهم ، واستل المرحوم جبر من إيطاليا صناعة ” المعكرونة ” ، وفي سنة 1913 عُرضت ” معكرونة جبر ” في معارض هولندة ، فكانت فائزة منصورة ، وفازت ” معكرونة جبر ” في معرض مدينة ميلانو سنة 1924، فنالت الجائزة الأولى “.

تلك كانت صناعتنا : الأولى في العالم.

ماذا بعد ؟

نقرأ ما يقوله الإنكليز :

في عام 1946 ، كلفت الحكومة اللبنانية مؤسسة ” ألكسندر جيب ” البريطانية الإستشارية ، بدراسة واقع الإقتصاد اللبناني وكيفية إنهاضه ، وتلك الشركة كانت في صدارة المؤسسات الإستشارية العالمية ، وفي عام 1948 ، أصدرت وزارة الإقتصاد الوطني نص الدراسة الواقع في 235 صفحة بعنوان ” تقرير ألكسندر جيب عن التطور الإقتصادي في لبنان ” ومما جاء فيه:

ـ ” شبكة الطرقات في لبنان ممتازة و لا حاجة للمزيد منها ، والمطلوب تحسين بعضها “.

ـ ” إن مدينة طرابلس في الشمال اللبناني تزود لبنان وسوريا بنسبة 45في المائة من حاجتهما للصابون ” .

ـ ” صناعة النسيج يمكن أن تسد القسم الأكبر من احتياجات لبنان ، وبعض المصانع تنتج أقمشة من الجنس الممتاز تماثل المنتوجات الفرنسية والإنكليزية “.

وورد في تقرير أعدته ” غرفة التجارة والصناعة ” في بيروت عام 1953، بمناسبة انعقاد الدورة الثالثة لمؤتمر التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية في العاصمة السورية دمشق :

ـ ” لبنان هو الأول في صناعة بيوت الأترنت على مستوى الشرق الأوسط ، وقد بوشر بتصديرها إلى الدول المجاورة “.

ـ ” إن صناعات الغزل والنسيج تحتل مركز مرموقا في الصناعات اللبنانية ، بما فيها السجاد ، وفي مناقصة دولية أجرتها مؤخرا حكومة باكستان ، فاز لبنان بالكمية نفسها التي فازت بها إيطاليا واليابان “.

ـ ” يقوم لبنان بإنتاج النعال والجلود ، ويعترف الإخصائيون في أوروبا وأميركا بأن الإنتاج اللبناني من الأفضل في العالم “.

ـ ” نجح لبنان في صناعة المصاعد الكهربائية والمصابيح ، والأسلاك المعدنية ، والمسامير والبراغي ، وآواني الأولومنيوم ، وأدوات السفرة المعدنية ، ومصنوعات البلاستيك ، ومقابض المفروشات ، ونعال المطاط ، والمفاتيح والستائر المعدنية ، وطباخات الكاز ، والأسنان الإصطناعية ، ومن أجل رفع مستوى الإنتاج وتحسينه ، أنشأ لبنان معهدا صناعيا هو الأول في الشرق الأوسط “.

مزيد من النماذج

ماذا فيها ؟

في شهر حزيران / يوينو 1961 نشرت مجلة ” الرائد العربي” وقائع ندوة بعنوان ” الصناعيون والتجار في لبنان بين الإئتلاف والإختلاف ” ، قال فيها رفيق غندور عضو جمعية الصناعيين اللبنانيين : إن الإتحاد السوفياتي يستورد 8 في المائة من الجوخ اللبناني ، والمعروف أن الإتحاد السوفياتي كما يقول غندور ، يختار دائما الصنف الأجود والأرخص .

هذا شاهد أخير :

كتب الدكتور طلحة اليافي المدير العام ل “بنك التسليف الزراعي والصناعي والعقاري ” في بيروت ( مجلة ” الرائد العربي ” شباط / فبراير 1961) : ” يُعتبر لبنان اليوم ، من أكثر بلدان الشرق الأوسط تصنيعا “.

على تلك الصورة كان واقع لبنان

ماذا عن واقعه الآن ؟

لماذا كان لبنان يتقدم على سنغافورة ولماذا تخلف عنها ؟

كيف حصل ” معمل جبر” على الجائزة الأولى في إيطاليا وقبلها في هولندة ؟

ما السر الذي أفضى لأن تغزو الحلويات اللبنانية أذواق الأميركيين ؟

ما السبب الذي أدى لأن ينافس لبنان منتوجات إيطالية ويابانية في مناقصة دولية في باكستان ؟

ما خلفية وقوع اختيارات الإتحاد السوفياتي على الأقمشة اللبنانية ؟

ما وراء اعتماد الهند وشركتي ” رينو ” الفرنسية  و ” سوناطراك ”  الجزائرية الليرة اللبنانية عملة للتبادل التجاري ؟.

يبقى قول أخير من الذاكرة :

هل تذكرون ” دفايات بومباني ” ـ كازوزة جلول ” ـ ” صابون حياة ” ـ قطنيات bvd ـ ملبوسات عطالله فريج ـ أحذية الصياد ـ بلعة ـ ريم ؟

أين كانت تركيا وبضائعها ؟

أين كانت الصين وسلعها ؟

بماذا يجيب السياسيون اللبنانيون الفاشلون ـ الفاسدون ؟

عشتم وعاش لبنان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى