الفنان أحمد الجنايني صرح ثقافي مهموم بقضايا وطنه
الجنايني مدرسة في إدارة الفن يجمع بين القانون والذكاء العاطفي والإدارة الواعية والثبات الانفعالي
بقلم: نجلاء حسن| أديبة مصرية
تقابلنا أول مرة في أكتوبر ٢٠٢١ بمعرض الفنان طه القرني بجاليري ازاد بالزمالك كان طويل الشعر للكتف يعلوه الرمادي، يبتسم ابتسامة تفتح شهية الحديث معه ولكني انتظرت بعد ان سلم علي ووقفت بجواره وجوار الناقد الفني دكتور خالد البغدادي والفنان طه القرني لأخذ الصورة التذكارية.
وبعدها بفترة طويلة تقترب من سته أشهر التقينا سويا في حديقة نقابة الفنون التشكيلية بصحبة الأصدقاء وكان حديثا غاية في السعادة تعرفت عليه عن قرب وبدأت تلك الصداقة التي احسبها إحدى نفحات الزمن بعد أن كتبت استمارة عضوية أتيليه القاهرة جماعة الكتاب والفنانين.
أحمد ابن قرية منية سمنود محافظة الدقهلية يحمل مصر بقلبه طوال الوقت تخرج في كلية الهندسة جامعة المنصورة ورغم انه يحمل لقب مهندس إلا انه جاهد طويلا ليضيف إلى شهادته الجامعية في خانة العمل بالبطاقة الرقم القومي هويته التي يعتز بها بعد مصريته وهي فنان تشكيلى.
زارني بمكتبي بمكتبة القاهرة وأهديته كتابي الأول وهو مجموعة قصصية بعنوان رحلة زهور البرتقال، ثم تحدثنا عن مشكلات الحياة الثقافية بمصر ووجدته مهموما بقضايا الوطن؛ وكأن مصر زمنا وعمرا وأرضا ونيلا يجري في شرايين عروقه.
يصطبغ بأشعة شمسها مستقيا الرخاء من نيلها ونبلها وحضارتها يرسل المحبة للعالم كل صباح.. لم أكن أعلم اني أتحدث مع أحد قامات الفن التشكيلي وحسب بل أحد قامات مصر الإنسانية والثقافية؛ فهو يكتب الشعر ويرسم بالحروف والمعاني بنفس قدرته على الرسم بالفرشاة والألوان على لوحاته التي حظي العالم بها جراء تجربته اللونية والفنية فقد اهداني كتابه الجميل حين هربت عاريات مودلياني سيرة في ذاكرة اللون الذي كتبت دراسة أدبية عنه وكانت تجربة سعيدة أن تكتب دراسة لمبدع تتحدث معه وتتجول في فكره وقتا طويلا، ولكني اليوم أحكي بعضا من مواقفه التي أدهشتني؛ فهو القيمة الإنسانية والصرح الفني المتنقل والمنتج للثقافة؛ فهو يتنفس العلم واللون والشعر والأدب والفلسفة الحياتية.. قلما تجد من درس الهندسة بهذه الخصائص الإنسانية والفنية في هذا العالم.. تجمع شخصية الفنان أحمد الجنايني صفات الانسان الفنان ابن الريف فلم أجد كلمة واحدة تغاير سلوكه فإن حدثك بفكرة فهو يعيها ويراها ملزمة له بسلوك وتصرف وإن مزاحه ليخلو من كذب أو خداع أو شر مؤمنا بالحرية مشجعا للتنوع الثقافي؛ فالفضاء المشترك يسع الجميع.
استلم أحمد الجنايني العمل كرئيس مجلس إدارة أكبر مؤسسة ثقافية تتبع وزارة التضامن الاجتماعي في حالة يرثى لها استطاع أن يحافظ على هذا الكيان بطريقة مدهشة فقد كان هذا الكيان مهددا بالإغلاق كما أغلق اتيليه الإسكندرية ونادي القصة وأصبح بلا وجود.. ولكن بجهوده الذاتية مؤمنا بقضيته لمدة أربع سنوات متواصلة يقف أمام القضاة في المحاكم للدفاع عن هذا الكيان العريق يدافع عنه باستماتة وشجاعة وتحمل صعاب لا يتحملها بشر عادي إلا من أمن ووضع ثقته في الله تعالى الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا.
أحمد الجنايني الانسان
فنان حقيقي منضبط فكرا وسلوكا لا يتذوق إلا المشروبات العادية كالشاي واليانسون ولا يحب القهوة بكل أشكالها ولا يتذوق السمن ولا الزبدة، بل يعشق البحر وهواؤه وشاطئه وكل ما يستخرج من مياهه.. لديه حالة من السكون النفسي فقد كنت معه باتيليه القاهرة بعد أن تضافرت جهودنا سويا لكي يصبح في حلته الجديدة و النوعية بأن أصبح الاهتمام بالأعضاء وبراحتهم هو شغله الشاغل، فقد اخترنا سويا إدارة جديدة لكافتيريا الأتيليه التي أحيت المكان وأصبح الأعضاء الايجابيين يزورونه بعد انقطاع بسبب تواجد شلة من الأعضاء ذات الأفكار الهدامة والتي تحاول دوما إرجاع الاتيليه الى حالته الحزينة والمليئة بالسلبية وعدم الراحة.
الجنايني والحركة الثقافية
يعمل دوما من إحساسه النابع من المسؤولية بترشيح الفنانين التشكيليين والكتاب النابغين إلى جائزة الدولة المختلفة ولا يفرق بين صديق أو غير ذلك أجده نشيطا ولديه دوما مهام جسام يتحرك بفكر السبعين وبخفة جسد الثلاثين، متجدد الفكر، أخضر القلب يرسل المحبة دوما للعالم كل صباح لم أجده الا مجاملا لجميع زملاءه بالنقابة من الفنانين.
التشكيليين واتحاد الكتاب فهو متنقل بين معارفهم مجامل وناصح للشباب منهم ناقل تجربته الفنية حول العالم الثرية إليهم بكل محبة ينشط الحركة الثقافية مشجعا لشباب الفنانين والشعراء والكتاب الجدد على إقامة الندوات والمناقشة الفكرية والادبية وإقامة معارضهم في رحاب اتيليه القاهرة.
تعج الأحداث الثقافية التي يحاضر فبها بطلبة الفنون الجميلة والأدباء والفنانين والكتاب والصحفيين جميعهم رجالا ونساء منهم من يصطحب أبناءه واصدقاؤه لالتقاط الصور التذكارية في نهاية الحدث كنجوم السياسة والسينما بل يفوقهم جميعا.
تليفون الجنايني
من الصعب على من يجمعه الوقت بالأستاذ الجنايني أن يكون هناك ربع ساعة بلا رنين لمحموله وتلك العبارات الجميلة التي يرسلها لكل مكالمة شيء مدهش أن يتواجد إنسان لا يسأم ولا يغضب ولا يتذمر بل يحدث عقلا ومنطقا لكل مقام مقال، ومن جراء ذلك قلما تجد محموله في الخدمة فهو ينفذ شحنه بسرعة ويكتب واتسابه بالصور والفعاليات والأفكار واللوحات والمجاملات التي لا تنتهي؛ فهو خارج الخدمة ومن عرفه يشفق عليه أن يمسك عقله بتلك التفاصيل الدقيقة طوال الوقت
الجنايني وأصدقاؤه
الغريب طوال الوقت أنك لن تستطيع أن تمسك قلبا اختلف معه وقام بعدائه إلا ما ندر جدا.. إن اختلفوا وجدوا العقل والمنطق يرد له الخير والسلام.. وهب الجنايني حياته للفن والرسم ولحالته الفنية الفريدة في نوعها على مر العصور حماسه للثقافة ولشيوع ثقافة الفنون الراقية يحكم شخصيته.
الهوية المصرية وأحمد الجنايني
يتشرب شخص الفنان أحمد الجنايني بهوية المصرية الراسخة على حضارة مصرية كانت نقطة الزمن الأولى التي أفرزت باقي الحضارات.. وما أقوله له أدلة كثيرة أذكر منها مثالا ولن أستطع الحصر ظهور تلك الحضارة في جميع لوحاته الفنية، فنجد مفتاح الحياة والأهرام والنيل والفن المصري الشعبي ورموزه المختلفة وتلك اللفافات التي تمثل مومياوات المصري القديم التي تعبر عن الخلود، ولم يتأثر فقط فنه بتلك الهوية بل يعطي لنا مثلا حيا لعشقه لهويته المصرية؛ فقد منح بناته أربعة أسماء لملكات مصريات القلب والهوى إيزيس، ونفرتيتي ونفرتاري وهاميس، ولن تجد من يشاركهن تلك الأسماء في عصرهن.
أحمد الجنايني وإدارة الفن
مدرسة أحمد الجنايني في إدارة الفن هي منهج يجمع بين مفردات القانون والذكاء العاطفي والإدارة الواعية وضبط النفس والاتزان والثبات الانفعالي الفريد فدوما نجده يسير في سند القانون وقد يحتمي القانون بقلب الجنايني وليس العكس.. أجدني أسرد الكثير.. ومازال لدي الأكثر والاكثر منه.