خمسة أيام من العزلة

رضى كنزاوي | المغرب

مائة قطعة فسيفساء مربعة منها خمسون زرقاء, ونظيرتها بيضاء, على الجدار القابع خلف آلتي الكاتبة, حيث أعقف كسنبلة يحط عليها طائر دوري, في محاولة للبقاء على قيد الحياة عن طريق الشيء الوحيد الذي أظن أنني أجيده في هذه الحياة, إن لم يخب طبعا هذا الظن كذلك ,لا شك أنها التداعيات النفسية لليوم الخامس من الحجر , أعتقد ..انه اليوم الخامس , لأنني فقدت المفهوم الإدراكي والحسي للزمكانية , وبت أعيش ككائن هلامي في أقصى قعور المحيطات الشبيهة في حلكة سوادها وغموضها بالعدم , أنام ,أصحو, آكل ما تيسر من قوت , أستمني ولا اكتب , نفسيتي منهارة كالاتحاد السوفياتي , والاكتئاب في أوج معمعانه يلبسني كجورب صوف, بعد أن استغل الفرصة المواتية لفرزي بين هذا المربع الإسمنتي ….لم أتوقع أبدا أن يخونني أنيسي الوحيد هاتفي الذكي في مثل ظروف صعبة كهذه , ليعزلني بتاتا عن العالم الخارجي ,لقد أتلفت شاشته تماما بعدما سقط من جيب بيجامتي وأنا جالس على مكتبي , فكان ذلك الخطأ البليد الصادر سهوا مني و الذي لا يغتفر أبدا بمثابة ضربة قاضية, كما ما قال كلب الاكتئاب الأسود ضاحكا وهو ينتحي أحد أركان البيت قبالتي و يحدجني بعينين فاقعتي البياض حادتين كالضوء .حاولت أن اعزي نفسي بان اغدي قناعتي الذاتية بمبررات واهنة كأن ما حدث هو فرصة اختلاء لاتصوف و أتصالح مع ذاتي الوجدانية, أن اقترب منها واعرفها حق المعرفة , لكن سرعان ما كدت انطح راسي مع الحائط بعد أول جولة تأمل اندلقت فيها سلبيتي بعشوائية وبشكل مباغت لتستحوذ على فكري وتعم السوداوية مجددا تحت نوبة تشويش عنيفة كأنها هزة أرضية , حاولت القراءة وكان ذلك مستحيلا البتة جنريك من الكلمات يهبط بسرعة هيستيرية , حاولت كذلك القيام ببعض تمارين الضغط , تمددت على الأرض هبطت ولم أصعد, ولا اذكر كم ساعة بقيت منشوراعلى الأرض أحلم بالنساء وتفاصيل آخر مضاجعة , بالأرصفة ورائحة العشب وزحمة الحانات أماسي السبت ….لا يهمني كم إصابة بفروس كوفيد 19 سجلها العالم اليوم …كما لا أنكر أن نعيق الغربان خارجا على حواف السطوح بمخالبها التي وكأنها أشواك وسكاكين فضية يثير في نفسي نزعة انتحارية , لكنني دحرت كل السبل المتاحة في عقلي المفضية إلى أن الحرية لن تعانق إلا عبر إلقاء نفسي من نافذة غرفتي القابعة في الطابق الخامس , بل بالصبر والأنتظار كسائر البشر داخل سجني وأن كان ضد خصمين مشتركين في فتكي, الوباء و أمزجتي السوداء, لأنني هذه المرة أريد حقا أن أعيش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى