سوالف حريم.. أخضر يا زعتر
حلوة زحايكة | فلسطين
الفنان التركي المبدع Musa Celik
وأنا في الطريق إلى عملي في قدسنا الشريف، كان الباعة المتجولون قد تجمعوا على أرصفة الشارع من اليسار واليمين، وكل واحد منهم ينادي على بضاعته، يا الله: الخيار، البندورة، البطاطا، والأخر الذي يهتف للتفاح والبرقوق والتين.
الفلاحات جالسات على قارعة الطريق وقسوة الحياة وبؤسها مرتسمة على وجوههن يقمن ببيع النعناع، والبقدونس والميرمية، وإذا باحداهن تنادي وتقول يا الله: النعناع، الزعتر البلدي، وعندما لفظت كلمة زعتر بالتحديد لا أعرف ماذا حصل لي؟ فقد شعرت بشعور غريب يسري في جسدي، وأدرت وجهي إلى المرأة التي يظهر عليها معالم التعب من أجل لقمة العيش.
انحنيت على ضمّة الزعتر وأمسكت بها بحنوّ واضح، وسألتها:
كم سعر الضّمّة يا خالة؟
فردت عليّ: بعشرة شواقل، دفعت لها الثمن ومضيت في طريقي، وأنا أنظر الزعتر، وإلى أوراقه الكبيرة، وبينما كنت أتفحص الزعتر، كان يخيل اليّ أنه ليس زعترا، فالزعتر ذو رائحة تسيطر عليك عن بعد عدة امتار، ولونه الأخضر البهيّ الجميل، لقد تغير الزعتر وفقد رائحته ولونه هو الآخر، وتابعت طريقي وأنا أسير شاردة الذهن وأتساءل:
لماذا كل هذا التغيير؟
عدت بذاكرتي الى حياة الطفولة مرة أخرى، كيف كنا نخرج كل يوم في الصباح للرّعي، وكان هناك كثير من أبناء البلدة يأتون للرّعي، كنا نعلب ونمرح ونتدحرج على الأعشاب في أعلى الجبل، وكيف كانت تتعالى ضحكاتنا وابتسامات الفرح ترتسم على محيانا.
وفي ساعات العصر، حيث يهب الهواء العليل ينعش الروح فينا، كان كل واحد منا ينطلق كي يجمع ما يريد من النباتات البرية كالخبيزة، والجعدة، ورجل الحمام، واللفيتة والزعتر من سفح الجبل.
رائحة الزعتر الجميلة تفوح في كل أنحاء المنطقة، كأنها تقوم بمناداتك من بعيد وتقول أنا هنا أعيش وأنبت، فتعال إليّ، تعال اجمع أوراقي الجميلة وتذوق طعمها اللذيذ، وتمتع برائحتي الفواحة العطرة، فكنت أقترب منها وأقوم بقطف أوراقها الخضراء، وأضعها في أكياس إلى حين غروب الشمس، إلى ان نعود للبيت.
في اليوم التالي، صنعت لي ولأسرتي أطعم فطيرة زعتر تذوقتها في حياتي، وما زال طعم تلك الفطيرة في فمي.
لم يعد هناك وجود لمثل ذلك الزعتر في قريتي- جبل المكبر- ولا حتى أماكن من أجل أن ينبت فيها، لأن سفح الجبل اختفى، واختفت كلّ معالمه، ولم تعد تعرف سفحه من باطنه، فقد احتلت مباني المستوطنين الشاهقة مكانها.
وازدحمت المباني بالمستوطنين الجدد الذين داسوا بجرافاتهم على كلّ شيء اخضر، فشوّهوا عذرية وروعة المكان.