الرحيل
جابر السوداني | السودان
تشرينُ كانَ سحابةً
مرَّتْ على أقصى الجنوبْ.
مكسوَّةً بالماءِ
ضرَّجَ خـدَّها لونُ المغيبْ.
والروحُ شتلةُ عنبرٍ
يجتـثُها موجُ الرحيلْ.
ذرفتْ على
بابِ المضيفِ دموعَها
و تناوحَ المتجمهرون
فرمتْ على الأرضِ
النديةِ نفسَها
وبكتْ وعانقتِ الترابْ
ميسانُ كانتْ حلوةً
كانتْ كصدرِ امرأةٍ في
الأربعينْ.
قالتْ وحاصرَها النشيجْ.
الضفـةُ الأخرى اغترابْ
قمـرٌ على الشرفاتِ يبكي
سرقتْ مصابيحُ الـدُّروبِ بهاءَهُ
وتنـزُّ نافــذةٌ بعيـدةُ
عبرَ أنسجةِ السَّتائـرِ ضوءَها
وتنزُّ أخرى ثمَ أخرى
ثم ألافُ النوافذِ
وتنامُ أسرارُ المدينةِ كلّها
خلفَ الستائرِ
وتجفُّ في عينِ المهاجرِ
دمعة ٌ
وينامُ في دمِهِ الحنينْ.
في البدءِ تبهرهُ
المصابيحُ الملونةُ الشعاعْ.
وتفيقُ خطوتُهُ الغبيةُ
من رقادِ الخوفِ حائرةَ
المصيرْ.
ويتيهُ من دربٍ لدربْ.
ليلٌ وضوءٌ راقـصٌ
ليـلٌ وعاشقة ٌ يُبلّـلُ
شعرَ صاحبِها المطرْ.
ضوءٌ على إلاسفلتِ
يرقصُ في التماعاتِ المطرْ.
وخطى لأولِ مــرَّةٍ
ترتادُ أرصفةَ المدينـةِ
عــرَّتْ لــهُ
جسدَ القصيدةِ وارتمى
في حجـرِها يبكي اغترابهْ.