العلمانية وتفكيك الرباط الحضاري للمجتمع (2)
د. أحمد حسين عثمان | مصر
حين نتحدث عن الإسلام في صراع الحفاظ على الهوية فنحن لا نتحدث عن جماعة دعوية أو فصيل سياسي ، بل ولا يتعلق بكونه عقيدة لدى المسلم، وإنما يتعلق بما حدث عبر العصور والقرون الماضية من تولد مجموعة من المعارف والقيم والتعابير والأذواق وذيوع كل ذلك في مسام المجتمع بما فيهم أصحاب الملل والنحل الأخرى .
بحيث تصبح هذه الثقافة قوة التماسك بين أفراد المجتمع ورباطا قويا حول إدراكها لذاتها، فهي هنا مثل اللغة التي تربط هذه الجماعة المعينة وتشكل مظهرا من مظاهر وجودها.
ونحن في ذلك لسنا بدعا من الأمم ، فجميع الدساتير في الأمم الأوربية تتشكل في ضوء ثقافة المجتمع ولا يمكن أن يخترق أحد هذا السياج بحجة الاستنارة .
إنني لا أكون متجنيا إذا وصفت العلمانية التي أخذت تطفو الآن فوق سطع فكرنا بأنها لا تسير على خطا واعية حتى على خط فكرها ذاته ، فإن اللجنة التي أعدت الدستور عام 1923 كان يغلب على عناصرها الثلاثين التوجه الليبرالي، بل وفيها خمسة من المسحيين وواحد يهودي ، ومع ذلك وافقت على أن الإسلام دين الدولة دون ممارسة أي ضغوط عليها ؛ لأنهم بذلك لا يعلون من المعتقد رغم أهميته لغيرهم لكن يظهرون الثقافة التي تحيط بالمجتمع ككل .فالإسلام لها جانبان بالنسبة لهم ، جانب عقدي قد يختلفون حوله أو يتفقون ، وجانب سياسي يتعلق بكون المرجعية إنما تصدر عن الثقافة العامة السائدة في المجتمع والمستقرة في الضمير التاريخي للبلاد .
إن التيار العلماني الذي وافق أو نص على أن الإسلام دين الدولة يدرك أن تلك الثقافة التي أقرها تكفل المساواة الكاملة بين المواطنين ،وتكفل حرية اختلاف المعتقد ، وتتفاعل مع الحاضر وتتجدد معه ، ومن مصلحتها البقاء على هذه الروح التي تحمي المجتمع من التصدع . (يتبع)