حكايا من القرايا.. « السياسة إدمان »
عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين
يا إلهي شو كانوا ختياريتنا مدمني سياسة.. كانت لا تفوتهم نشرة أخبار، خصوصاً أخبار لندن، وصوت جميل مدفعي، وأخبار صوت العرب وخصوصاً تعليق أحمد سعيد المدوي.
يسمعون النشرة، ثم يتناقشون في تفصيلات أخبارها… كانوا يسألون بعضهم بعضاً: بالك بصير حرب هالسنة؟ والله شايفها قرّبت… ولم تكن تشغلهم قضيتهم الفلسطينية وحدها، بل كانوا أمميين وإنسانيين في انحيازهم إلى الشعوب المقهورة.. المستغلة… ونضالاتها… وكأنهم يقولون كما قال المثل ” يللي مثلنا تعوا لعنّا ” وكانوا يجسدون الدبابات والطائرات وميادين الحرب والجيوش، يجسدونها في أشيائهم التي بين أيديهم، فقداحة فتلة الغاز تصبح دبابة، ودفتر سجاير الغازي سياج أمني لمنطقة حرام… وكاسة الشاي قنبلة هيروشيما… ولولعها بالحروب وهوسها بها، كانت الحجة جليلة تسمع كل ليلة ” الدبع ” في “بيت نام” لا تنام قبل أن تسمعها، وما أن تستيقظ صباحاً حتى تحدث بما سمعت. تحدث النساء باب طوابينهن، والرجال في الحارات والأزقة، وتقسم بالله: الليلة ما نمت من الظرب والحرب في بيت نام…
يوم صار انقلاب وأظنه في ال 68 في العراق، وسقط الرئيس عبد الرحمن عارف، أسرعت إلى خلايل الحج سليمان، وما أن رد التحية، حتى أعلمته الخبر، صدم الرجل، وصار يجوح وينوح كمن تبكي على فقيد… ويصدر أصواتاً حزينة بين شهيقه وزفيره… حزنت عليه، وتمنيت أنني لم أعلمه الخبر…
الأدهى والأمر يوم وفاة الزعيم “جمال عبد الناصر ” كل بيت شعر بالفقد، والبيوت كلها كانت تبكي… أذكر أنها كانت أيام قطاف زيتون… كانت عماير الزيتون كلها تتابع جنازة الرئيس… والمذيع يبكي، وخرّاطو الزيتون يبكون… الله يسامحه عمي أبو ساري قضّى حياته بربع عين يرى فيها… وفي ذاك اليوم الحزين… ومن كثرة نواحه وعياطه… فارقه البصر، وبطّل إشوف في عينه خالص… إلا عندما زار الدكتور، وقطرها، وقال له الحكيم: يا رجل ارحم حالك… شوي شوي… هو عبد الناصر إلك لحالك… لكن شو كان لما الزعيم بدو يخطب… تنتظره الناس كلها لسماعه، ويشتروا حجارة راديو “بطاريات جديدة” لسماعه بشكل جيد… وكانت إن سقط إبرة على الأرض تسمع صوتها… لفرط تركيز الناس وهدوئهم، وإصغائهم لكل كلمة ينطقها الرئيس…
أبو العبد، كان لا يتكلم إلا إذا أنهوا نقاشهم في السياسة، يبتسم ويتنحنح، ويسأل: خلصتوا؟ شو اللي بتهبهبوا فيه؟ أنا بنام والراديو على صدري، ثم يقسم: والله إن صارت قايمة (يقصد الحرب) إلا أمريكا تكسر الحجر… وتقلع الشجر… وتحرق أم على أبو البشر… لكنه كان يفرح لصفقة طائرات اشترتها مصر من روسيا… ويفرح أكثر عندما يسمع دعم الصومال لقضيتنا… ويسأل كم عدد سكان الصومال… ملايين… والله هذول بوكلوا الأخظر واليابس إن صاروا داشعين… وليتهم يدشعون…