مستقبل اليسار في فلسطين (1)
نهاد أبو غوش | فلسطين
تظهر وقائع الحياة اليومية في فلسطين تراجعا مطردا في وجود اليسار الفلسطيني وتأثيره في الحياة السياسية اليومية، سواء في ميدان النضال الوطني ضد الاحتلال، أو في مجال النضال الاجتماعي والديمقراطي والمطلبي، إلى درجة بات فيها بعض اليساريين والمراقبين يخشون فيها من اندثار اليسار التاريخي واختفائه من ساحة الفكر والتأثير. يتأكد ذلك من خلال استطلاعات الرأي التي تجريها مراكز دراسات وبحوث متخصصة (مع أن نزاهتها ومصداقيتها ليستا دائما فوق الشكوك)، أو من خلال المعارك الانتخابية القليلة التي تجري بين فترة وأخرى سواء في المجالس المحلية البلدية والقروية، أو بعض النقابات المهنية، وكذلك في الانتخابات الطلابية التي تظهر اليسار دائما كقوة هامشية محدودة التأثير، وسط استقطاب حاد تناحري وتنافري بين الحزبين الكبيرين في المجتمع الفلسطيني وهما حركتا فتح وحماس، اللتان تقود كل منهما سلطة معزولة الأخرى، حيث حركة فتح تقود السلطة الرسمية والشرعية في الضفة الغربية من دون القدس كما تقود منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، وحركة حماس تقود سلطة موازية في غزة.
وقبل الخوض في موضوعنا يجدر بنا التعرف على فصائل اليسار مع أن هذا الأمر، اي تحديد من هي فصائل وقوى اليسار ليس محل اتفاق، حيث درجت خمس حركات وفصائل سياسية على تسمية نفسها بالقوى الديمقراطية الخمس، وهي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية التي انشقت عن سابقتها في العام 1969، وحزب الشعب الفلسطيني (الشيوعي سابقا) وحزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا) المنشق عن الجبهة الديمقراطية، وحركة المبادرة الفلسطينية.
ومن المعروف وجود قوى وحركات واحزاب سياسية أخرى يتفاوت تأثيرها وحضورها، مثل جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وجبهة التحرير الفلسطينية والحزب الشيوعي الفلسطيني، والحزب الشيوعي الفلسطيني الثوري، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، ناهيك عن تنظيمات ذات منشا قومي بعثي وهي جبهة التحرير العربية القريبة من حزب البعث العراقي، والجبهة العربية الفلسطينية التي انشقت عن سابقتها، ومنظمة طلائع حرب التحرير الشعبية / الصاعقة القريبة من حزب البعث السوري، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من المستقلين والحراكات الاجتماعية التي انبثقت اصلا عن قوى يسارية وعن يساريين افراد. بعض هذه القوى تمثيله وحضوره رمزي وشكلي ويستند على الأمجاد التاريخية وعلى التمويل الرسمي من قبل الصندوق القومي الفلسطيني (عمليا على السلطة)، وبعضها موجود في الشتات وغير موجود بشكل جدي في الوطن، وبعضها الآخر ماضيه السياسي والفكري يساري ولكنه بات يتنصل من هذه (التهمة)، ولكنها بشكل عام لا تبدي قلقا ولا اهتماما بجهود توحيد اليسار.
سبق لهذه القوى الخمس أن اتفقت على تشكيل إطار يجمعها مع مجموعات متفرقة من المستقلين أسمي باسم التجمع الديمقراطي، لكنه سرعان ما انفرط عقده وانحل، لمجرد مشاركة حزب الشعب وحزب (فدا) في حكومة السلطة، ثم باءت كل محاولات ترميم هذا التجمع واستعادة دوره بالفشل وخاصة على اعتاب الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في شهر أيار / مايو الماضي والغاها الرئيس محمود عباس بحجة عدم سماح إسرائيل بإجرائها في القدسن على الرغم من ان معظم استطلاعات الراي كانت تشير إلى صعوبة اجتياز قوى اليسار بقوائمها المنفردة (حزب الشعب وفدا ائتلفا في قائمة واحدة) عتبة الحسم التي تصل إلى 1.5 في المائة من الأصوات، بينما كانت الاستطلاعات عينها تشير إلى إمكانية اجتياز عدد من القوائم المستقلة التي شكلها حراكيون ويساريون سابقون نسبة الحسم.