إخناتون الفنان الثائر..!

بقلم: الفنانة التشكيلية  أميرة عبد العزيز – مصر

منذ فجر التاريخ كانت تتمتع مصر بمكانة عظيمة في شتى ميادين الحياة وبالأخص في ميدان الفنون والعمارة، فشعلة الفن التي أوقدها فنانومصرالقديمة لم تنطفئ جذوتها أبداً حتى في أصعب الظروف كان يزداد الإبداع لديهم.
لقد بدأ الفنان المصري القديم يتغلب على الأسلوب الأكاديمي الذي يتسم بالجمود متمشياً مع صراعه ضد التقاليد الحَرفيه الفارغة العقيمة التي كان يتبعها كهنة المعابد آنذاك وذلك حباً للحقيقة ، وبحساسية جديدة ورهافة شعور أوجدوا نوعاً من الإنطباعية في الفن المصري وذلك بفضل تشجيع أمنحوتب الرابع أوإخناتون الذي لم يكن فقط مكتشف فكرة التوحيد كما اشتُهِرَ عنه بل كان أول مجدد واعٍ في الفن وكانت لهذه الأيديولوجية الجديدة الفضل في انتشار روح الحرية التي عمت الغالبية العظمى من الأعمال في هذه الحقبة من الزمن وبرزت على وجه الخصوص في مجال الشعر والآداب والفنون كالأناشيد والترانيم الإلهية والملكية، لقد كان الملك يمتاز بشاعريه ورهافة ورقة أحاسيسه وكان نحيل الجسم ذو جفون كبيرة رقيق القلب شديد الذكاء وفيلسوف سديد الرأي صاحب عقل راجح ونفسٍ صافية ، وإن صح َ التعبير لقلنا أنه شاعر شاءت الأقدار أن تجعل منه ملكاً على مصر. وما إن تولى الحكم حتى ثار على دين آمون وعلى كل الأساليب التي كانوا يَتَبِعونها كهنته حيث لم تقترن بإسمه الثورة الدينية فحسب بل أنه أحدثَ ثورة ثقافية كبرى فكان أول شخص يُحيلَ نزعة مطابقة الطبيعة إلى برنامج ووصفت بأنها إنجاز تم اكتشافه حديثاً وبفضل ذلك التأثير حلت محل النزعة الشكلية السائدة في المملكة الوسطى نظرة دينامية طبيعية في مجالي الدين والفن شجعت الناس على أن يجدوا متعة في الإهتداء إلى كشوف جديدة ، فأصبح الفنانون يختارون موضوعات جديدة ويبحثون عن رموز أخرى لم تكن موجودة ويحاولون تصوير مواقف جديدة غير مألوفة كتصوير ما يشعر به الفرد من مشاعر تصف حالته الروحية بكل ما تحمله من معاني التوتر النفسي والحساسية المرهفة والحيوية في التعبير والحركة تصل إلى حدٍ غيرعادي ، كما بدأوا في الإهتمام بالمناظر الطبيعية كتصوير أحداث الحياة اليومية وبدأت تظهر لديهم البوادر الأولى للمنظور في الرسم في محاولة لعمل تكوينات جماعية أكثر تماسكاً.

وبالرغم من تعدد وسائل التعبير المستخدمة في نزعة مطابقة الطبيعة السائدة في عهد المملكة الجديدة والتي بلغت من الثراء والعمق حداً ينبغي معه أن نتسائل: من أين جاءت كل وسائل التعبير هذه؟، وإلى أي مدى وبأية صورة استطاعت أن تظل محتفظة بهذا الرونق وبهذه القوة قبل أن تظهر في عهد إخناتون؟ وما الذي جعلها تظل باقية بعيدة عن الدمار خلال الفترة التي سادتها الشكلية الدقيقة في المملكة الوسطى؟.
إن المصري كإنسان بطبعه محافظاً نوعاً ما أكثر من أي شعب على المبادئ والأسس وكل ما هو قديم ، دائماً يحن إلى كل ما هو أصيل ودافئ ، يحن دائماً إلى جذوره مثل الشجرة التي تمتد بجذورها لعمق الأرض كأنها تحتضن باطن الأرض وترتوي منها ، كليهما يذوبان في الآخر.

لقد كانت نزعة مطابقة الطبيعة كامنة على الدوام بداخل الإنسان المصري القديم وبالأخص الفنان بوصفها ” تياراً يَسْري تحت السطح ” وإن صَلُحَ التعبير فهو” يَسْري في العمق ” داخل الفن المصري إنها تركت دلائل قاطعة لا تحتمل الشك فيها على تأثيرها عليه ، فبالرغم من كل التجديدات التي حدثت والإهتمام الملحوظ بالأنواع التي تمتاز بالدقة في الأسلوب في الفنون الصغرى ، والبعد والنفور من الأسلوب الضخم القديم Monumental إلا أنه ظل فناً ملوكياً شعائرياً رسمياً بمعنى الكلمة ، لقد أدخَلَ لغة الحياة اليومية إلى أصول النصوص الرسمية دون تجاوز محافظاً على لغة الدولة الوسطى ومتون الأهرام ” أي أنه حافظ أيضاً على اللغة الرسمية الكلاسيكية ” ، لقد نهلَ الفن بكل ماتحمله الكلمة من شعر وتصوير وآداب برقة وعذوبة ورُقي دون أي تجاوز، فالموضوعات كلها تعبر عن عالم جديد والوجوه تعكس روحاً جديدة وحساسية مرهفة شديدة وسادت الإنطباعية لأول مرة في عهد إخناتون المجدد الأول ليس فقط في الدين ولكن في الحياة الثقافية عامةً والفن خاصةً.
إن فن مطابقة الطبيعة ظل مُعَبِراً عن كل ما هو رسمياً شعائرياً تقليدياً ، يُذَكِرنا بِنَاوٌه في نَواحٍ معينة بعصر الروكوكو rococo صحيح أن الحاكم بعد الثورة الثقافية التي حدثت لم يَعُد يُصَور بوصفه إلهاً.

جزء من نقش يُظهِر رأساً ملكياً لإخناتون، وخراطيش آتون المبكرة وتظهر فيه علامة الحياة (آتون عنخ)، عهد إخناتون، تل العمارنة – مصر – موجود حالياً في متحف بتري للآثار المصرية، لندن.

والواضح أن هذا الفن قد إزدادت قيمته المادية أكثرُ مما كان عليه قبل الثورة الثقافية وحركة الإصلاح العُظمى التي حدثت أثناء حكم إخناتون ، والتي تركت دلائل قاطعة على تأثيرها بجانب الأسلوب الرسمي وذلك في فروع الفن الغير رسمية ، فالموضوعات كلها تعبرعن عالم جديد والوجوه تعكس روحاً جديدة وحساسية مرهفة شديدة ولأول مرة سادت الإنطباعية في عهد إخناتون الذي يَعتَبِره التاريخ المجدد الأول ليس فقط في الدين ولكن في الحياة الثقافية عامةً والفن خاصةً.
إن التاريخ يوضح لنا بالأدلة والبراهين التي لا يوجد مجال للشك فيها أن الحضارات القديمة هي أصل كل الفنون ومنبع الأصالة والرقي.


تصوير جدارى يظهر فيه إخناتون وهو يحمل إبنته مع زوجته نفرتيتي التي تحمل أيضاً إبنتيهما في مشهد عائلي خاص من مظاهر الحياة اليومية يضفي عليه مسحة إنسانية قوية في أوضاع ومواقف تترك في نفس المشاهد انطباعاً بالبساطة والخصوصية.

لم يعبد إخناتون قرص الشمس، وإنما إتخذه كرمز للإله الذي تصفه أناشيد إخناتون بكامل وكلية القدرة وتجاوز كل الصفات والحدود.

تمثال للملك أمنحوتب الرابع (إخناتون) يظهر فيه وهو يبكي في صمت وعينيه مليئة بالحزن كل هذا يعطيك انطباع بأن الحجر يبكي ويكاد ينطق من صدق التعبير وجمال النحت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى