حكايا من القرايا.. ” مجاملات ودعوات “

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

اللوحة: أيوا سويتالا

يبدو أن القهوة يُجَمِلها الفنجان الحاضن لها… فعندما تصب في فنجان جميل، تصبح وردة لها عبق… من الفناجين كان الكعب العالي، وهو فنجان يشبه الرجل سامق القوام، فساقه عالية، وسطحه مشرم، أما صحنه فكان يسمى ورق الدوالي، وذلك لشبهه بورقة الدوالي… تحتسي فنجانك وهو يهبّل، ثم تسلمه لصاحب الصينية وتدعو ما شئت من الدعوات، وتتمنى ما تريد لصاحب القهوة… كأن تقول ” دايمة ” أو  “عامرة ” قبل سقوط البلاد السقطة الثانية، كانوا ينتظرون العودة إلى حيفا وكرملها، ويافا ومينائها، وعكا وسورها… يتذكرون بيارات البرتقال ويحنون إليها… وما أن ينهي أحدهم فنجانه حتى يدعو ” بالعودة إن شا الله ” أو يتمنى شرب قهوته هناك فيدعو ” في البلاد إن شاء الله ” وعندما كانت السقطة الثانية تعدلت الدعوة إلى ” بدحرة هالغايرين عنا إن شا الله “… هل هو تنازل في الدعوة؟ ربما… أو جاء ما يشغلهم أكثر… ويذكرهم بوجعهم الآني…

وتفرق الناس في منافيهم، طالبين الرزق والمأمن والحياة… تجدهم في الخليج… وفي أوروبا وفي أمريكا… وفي بلاد الشام… وهنا أصبح تجمع الناس ولمتهم في عائلاتهم في بلدهم أصبح ما يتمناه الأهل ويدعون إليه… فما أن انتهوا من شرب فنجانهم حتى يدعو الشارب ” بلمة الغياب إن شا الله ” أو ” بعودة الغياب سالمين غانمين يا رب “…

وعندما حلت أنواع المآسي بالفلسطيني، وضاعت أرضه أو سرقت، وتحول إلى اللجوء… تمسك بعنصرين لا ثالث لهما… شجرة الزيتون كأمن غذائي استراتيجي، والعلم والتعليم، فقد سمعناهم يقولون ” الشجرة والولد واحد ” أعطيها بتعطيك… وسمعناهم يتعهدون بتعليم أولادهم مهما بلغت التضحيات، فيقولون ” والله لو ببيع اللي فوقي واللي تحتي إلا أعلمهم ” أو لو ببيع الدماية اللي عليّ إلا أعلمهم… ومن هنا كان يحتجّ الفلسطيني عندما تشرب فنجانك، وتدعو للشاب الذي قدمه لك بالقول ” بعرسك ” يرد الولد ” بحياتك ” فيعارضك والده بالقول ” الله يسامحك، نجاحه بالأول والجيزة ملحوق عليها “…  أو يجاملك الوالد ويقول ” وين الدنيا ووين أهلها… قدامه اللي أكبر منو ” على اعتبار أن الكبير أولى بالزواج من الصغير… فيرد الضيف… يا رجل، ياما تكسي سبق الباص… ويضحكون…

في اعتقادي أن النساء أفصح في المجاملات من الرجال… فمعجم الدعوات عندهن ثري وغني… فإذا أكلت شيئاً ردت” الله يطعمك الصبي ” إن كانت في مجال الخلفة، أو الله يطعمك الحجّة إن كانت قد تقدمت بالعمر… وإن شربت قهوتها فميدان الدعوات ينفتح أمامها ميادين… ” نشربها بالفرح ” ” بنجاح أولادك ” ” وانت قايمة بالسلامة ” ” الله يسقيك من زمزم، ويطعمك من نعيمه”… وعند أم الأسير تتعالى أصوات الدعوات ” الله يفك أسره وجميع الأسرى يا رب”  وهكذا تتطور الدعوات والمجاملات تطور الحياة نفسها، ولا تتوقف باعتبارها ممارسة حياتية قولية مكملة للممارسة المادية، تتكىء على المواقف سواء في الولادة، أو الزواج، أو الموت… والله يديم الوفق والمحبة بين الناس…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى