الخطط الترامبية والأرانب بالملوخية

د. فيصل رضوان| أمريكا الشمالية
تتحدث الأساطير المصرية واليونانية عن طائر العنقاء الذي يموت في النار، ومن رماده يخرج مخلوق جديد ويطير عائدًا إلى موطنه الأصلي. وقد أثبت اهل غزة أن هذه ليست أسطورة بل واقع بطولى. فمع وقف إطلاق النار الهش، خرج مئات الآلاف من الناجين من الإبادة الجماعية والمذبحة البشعة التى شهدتها هذه الأرض المقدسة، التي يعود تاريخ حضارتها إلى 4000 عام، وساروا من الرماد إلى شمال غزة على أمل الحياة الحرة فى بلادهم رغم علمهم بأن كل منازلهم وطرقهم وخدماتهم ومدارسهم ومستشفياتهم تم تسويتها بالأرض.
يبدو أن الفلسطينيين قد استجابوا بذكاء لـ “خطة دونالد ترامب” حتى قبل أن يلفظها للعالم بكل بجاحه.
وعلى الرغم من جانبه الشرير، فقد أتقن هذا الدكتاتور الأمريكي الشهير مهارة “الهيمنة” على موجات الأثير والفضاء الإلكتروني من خلال تصنيع “الأراء المتطرفة والصادمة احيانا “. لقد نجح ترامبولا، من خلال إطلاق تصريحاته المشينة عن مستقبل غزة الواحدة تلو الأخرى، فى شغل أذهان أغلب الدول، وترك الجميع تقريبا في حيرة بشأن مدى “جدية” خطواته “المجنونة” التالية. لكنه ليس أول رؤساء أمريكا الذى تظاهر بأنه “مجنون”. فقد فعل ريتشارد نيكسون نفس الشيء. فهم على الحد سواء يعتنقون “نظرية المجنون”، التي تخلق تصورا مشابها للجنون، لتحقيق هدفين في وقت واحد:— أولاً : إخراج الأصدقاء والأعداء على حد سواء عن توازنهم، قريباً من الحافة، كوسيلة لانتزاع تنازلات ثمينة منهم، وثانيا: تطبيع ما هو غير طبيعي بشكل واضح؛ فكما أن منطق التلويح المكشوف بالقوة فى “رأيه المريض” ربما هو وسيلة قد تعيد صنع النظام من جديد. ولابد لنا أن ننظر إلى اقتراح ترامب “بالسيطرة” و”امتلاك” غزة بعد تشريد الملايين من الفلسطينيين بالقوة في هذا الضوء.
وقد أدانه، وعلى نطاق واسع، معظم الأنظمة حتى الاستبدادية منها ومعظم دول العالم الحر، ووصف الحلفاء والأعداء على حد سواء، خططه بأنها “إجرامية” أو “غير قانونية” أو “غير أخلاقية” أو “غير عملية” أو “مزعزعة للاستقرار بالمنطقة”. وربما هذا الاختلاف العالمى فى الوصف قد يوفر البيئة المناسبة “بدون قصد” على تطبيع فكرة “التهجير القسرى” كأحد الحلول لوضع نهاية لهذه المجزرة، و يجعلها من مجرد فكرة مثيرة للجدل لكنها قابلة للنقاش!!
ومن غير الواضح ما إذا كانت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ذاتها ترغب في استئناف القصف والمذابح الوحشية في غزة فى ظل ضياع الروح المعنوية وفرص النصر وضعف إقتصاد إسرائيل الذى يشهد ما وصفه 130 من كبار خبراء الاقتصاد بأنه يعانى من “دوامة انهيار”، غير مسبوقة مع “هروب العقول والخبراء ” خارج البلاد وتدهور صناعة التكنولوجيا ووصول التصنيف الائتماني إلى ادنى مستوياته. ويعترف رئيس معهد التصدير الإسرائيلي بأن المقاطعة العالمية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ، قد غيرت المشهد التجاري العالمي لإسرائيل. وكما يتضح من التصويت المتكرر في الأمم المتحدة، فإن الغالبية العظمى من الدول اليوم، ترى إسرائيل كدولة مارقة لم تقم فقط بإبادة عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة، بل في غضون أسابيع قليلة قتلت الآلاف في لبنان واحتلت مساحات شاسعة من سوريا وحسب بل في الوقت نفسه تعمل على تدمير مبادئ القانون الدولي ذاتها. هذه دولة رئيس وزرائها مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. دولة في يناير 2024، قررت محكمة العدل الدولية أنها ترتكب إبادة جماعية، وفي يوليو 2024 حكمت بأن احتلالها غير قانوني وأنها دولة فصل عنصري.
لا شك أن أى نوع من التحريض على التهجير القسري للناجين من الإبــ ـــ ــ ـادة الجماعية الفلسطينية يشكل “استمرارًا” للإبادة الجماعية، وكما تقول منظمة حقوق الإنسان الفلسطينية. إنه أبعد من أن يكون شر ؛ إنه الشر المحض!. بل إنها محاولة يائسة لتطبيع ارتكاب الجرائم الفظيعة وتحقيق ما فشلت فيه المكنة العسكرية الإسرائيلية بعد 15 شهرًا من الإبادة الجماعية من خلال المساعدة والصمت العالمى.