سيناريو جاهز

بقلم: قمر عبد الرحمن
حصل الفيلم الوثائقيّ الفلسـ ـطينيّ النّرويجيّ “لا أرض أخرى” جائزة الأوسكار في نسختها السّابعة والتّسعين بمدينة لوس أنجلوس كأفضل فيلمٍ وثائقيّ طويل لعام 2025.
“لا أرض أخرى” عملٌ مقـ ـاوم يصف معاناة الفلسـ ـطينيّين في منطقة مَسافر يطا في مدينة الخليل، جنوب الضّفة الغربيّة، ويصوّر الممارسات المتعمدة والمستمرة لتلك المنطقة من اعتداءات وتهجيرٍ قسريٍّ لأهل البلد، وهدم المنازل والاستيلاء عليها.
استغرق إنتاج الفيلم وتصويره خمس سنوات تقريبًا، بدأ منذ عام 2019 وانتهى عام 2024، مدته ساعة وخمس وثلاثين دقيقة، يوثّق مشاهد حقيقيّة في منطقة مَسافر يطا في الخليل، حيث يظهر فيه جنود الاحتـ ـلال وهم يهدمون المنازل، ويطردون السّكان بحجّة إعادة تأهيل المنطقة، وإعدادها للتّدريب العسكريّ، ويعكس حجم المعا ناة الهائلة في التماس اليوميّ مع جنـ ـود الاحتـ ـلال.
حصد الفيلم ثلاث وثلاثون جائزة أخرى توزّعت بين مهرجانات سينمائيّة ومؤسسات نقديّة عالميّة، رغم ميزانيته البسيطة، وإنتاجه المتواضع.
الفيلم من إخراج رباعيّ مشترك، يضم الثّنائي الفلسـ ـطينيّ باسل عدرا وحمدان بلال، والثّنائي الاسـ ـرائيلي يوفال أبراهام وراحيل سزور، وهما يقيمان في النّرويج ويرفضان قمع الشّعب الفلسـ ـطينيّ بشتّى أشكاله.
الفيلم أثار موجة غضبٍ واسعة في اسـ ـرائيل، واعتبروا فوزه لحظةً حزينةً في عالم السّينما العالميّة، وتشويهًا لصورة اسـ ـرائيل أمام العالم، وبفوزه أثبتت هوليود وقوفها إلى الجانب الآخر ضد إسـ ـرائيل.
وفي المقابل الفيلم أثار جدلًا واسعًا في الوسط الفلسـ ـطينيّ والعربيّ كونه عملًا مشتركًا مع الاسـ ـرائيليّ، واعتبروه اعترافًا بوجود الآخر وتطبيعًا عالميًا معه، مع العلم أنّ اسـ ـرائيل تتغلغل في طعامنا وشرابنا وثيابنا ومنتجاتنا وحياتنا كلّها كفلسـ ـطيّنين بشكلٍ خاصّ وكعرب بشكلٍ عام، كما كشفت لنا المقاطعة الأخيرة بعد السـ ـابع من أكتوبر أنّنا المستهلك الأوّل لاقتصادهم دون أن ندري لولا حـ ـرب الإبـ ـادة الكاشفة.
استغربت من الرّفض العربيّ لحصول الفيلم على جائزة الأوسكار، واستغربت من استغرابي لأنّها عادتهم في استقبال أيّ نجاحٍ عربيّ!
بينما ما يجدر ذكره مجدّدًا وفي كلّ مرّة، أنّ صراعنا الفلسـ ـطينيّ ليس مع اليهوديّ المساند لنا إنّما مع الصّهيونيّ الذي يحارب ضدّنا، ويحاول الاستيلاء على أرضنا، فاليهوديّ المساند لقضيّتنا مثله مثل أيّ مسيحيّ، ومثل أيّ إنسانٍ حول العالم يقف معنا مهما كانت ديانته وجنسيّته، الأهم أنّه يؤمن بالقضايا الإنسانيّة ويدافع عنها من دافعٍ أخلاقيٍّ وإنسانيٍّ قبل أيّ شيءٍ آخر، والقضيّة الفلسـ ـطينيّة من أسمى وأشهر القضايا الإنسانية في العالم.
واستحضرتني خلال كتابة هذا المقال قصيدة محمود درويش “سيناريو جاهز” لا أعلم لماذا؟ لكنّها تشبه ما يحدث إلى حدٍّ كبير، وتحكي بطريقةٍ غير مباشرة عن الخطر الصّهـ ـيونيّ على اليهوديّ قبل أيّ أحد آخر، وكيف سيتعامل الفلسـ ـطينيّ إن وُضع هو والآخر بذات الحفرة.. إنّها بصيرة الشّاعر!
ويبقى السّؤال الذي يطرح نفسه الآن، لو كان الفيلم من إنتاجٍ فلسطينيٍّ خالص، هل كان سيصل لما وصل إليه أم لا؟