ما أجمل الحب بعد اليتم

منال رضوان|كاتبة وإعلامية مصرية 

 

     مشاعر اليتم لن تشعر بها عند رحيل الأم أو الأب.. ستحزن وقتها، نعم.. وتشعر بالفقد والضياع والخواء وهي مشاعر يمكنها أن تكون من أعراض(متلازمة اليُتم) لكن الأبقى والأقوى والأعمق والأدق هو ذلك الشعور الذي سيظل كامنا في نفسك بالانزعاج، والثقل الذي سيلازم روحك عند كل فقد جديد لقريب أو حبيب أو صديق أو زميل عمل أو حتى رفيق أجلسه القدر إلى جوارك في رحلة سفر استغرقت سويعات قليلة وافترقتما دون أن تتحدثا إلا بكلمات بسيطة عن الطقس أو رداءة خدمات الهواتف النقالة والارتفاع الجنوني لأسعار الكهرباء، نعم.. فحتى ذلك الرفيق/ة الشرفي ربما تضطرب بمجرد أن يلوح بيده أو يبتسم ابتسامة تعقبها همهمة (تشرفنا! فرصة سعيدة) تلك العبارة المُعلبة وسابقة التجهيز في مختبرات المجاملات الرقيقة.
     اليتم هو إعاقة ستتحسس يدك موضعها بصدرك عند الخذلان والخيانة والانكسار والاخفاق والكلمات الموجعةوالفرص الضائعة والمرض والقلق والخوف والحزن بل وحتى في لحظات الفرح؛ ربما تنزعج مخافة أن تفقد من جديد لتُحكم حلقة أخرى الاطباق على روحك، قد يستصرخك الحنين إلى شاطىء الذكرى للنجاة من تلك الدوامات التي تصر على إغراق روحك بين الحين والآخر، لكنه لن ينقذك من احساس مطمور بأعماقك خاصة إن كان محملا بذكريات مؤلمة وسنوات مراقة على عتبات المعاناة.. ربما سيكون مريحا – إلى حد ما – أن تُقِنع عقلك لتَقنع روحك؛ بأن لا شيء يدوم وتردد أقوال الجدات العجائز (عاشر يا ابن آدم مسيرك تفارق) فتلملم بعضك بداخل رداء يستر نَدْباتك وتقف مبتسما عند النجاح والمجاملات والتقاط الصور وتلتفت لمن أوجعوك باليتم بين الحين والآخر، الأحياء منهم والأموات وتردد سامح الله الأيام وجزانا عن ذكراكم خير الجزاء.
     ولكن عليك بالتأكد من أن لا شيء يضاهي طمأنينة تلك المنحة الإلهية التي ستجلبها لك رحمة الرحمن في يوم من الأيام مهما تباعدت الأيام وتناءت المسافات، ثق بأن لا شيء أجمل من ذلك الحب الذي يأتيك بعد عمرٍ من اليتم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى