نظرة بلاغية في بيت شعري

الشيخ طاهر علواني | مفكّر إسلامي

البلاغة – زادكَ اللهُ في الأدبِ رغبة، وفي العِلمِ محبّة – مدارُها على تحسين اللفظ، وإجرائه على ما له فيه من المعاني حظٌّ ومتعةٌ، واتفقا في السهولة والوعورة، أو الغضب والرضا، حتى تصادف فيه النفسُ رياضة، ويبعثَ نظمُه المتفقُ مع معناه على القرائح فتوحا من الانبساط، وتهشّ له وإن لم تكن صاحب بلاغة، وإن عارضتَه بما في ذوقك كان له موافقا ومفضِّلا. وانظر إلى قول الشاعرة د. ريم سليمان الخش في قصيدتها (هجوم فيروسي):

مُعاناتُنا داءٌ يُمزِّقُ أُمَّتِي

فبعضيْ كفيروسٍ يُغيرُ على بعضي.

تجدْ شؤبوبَه قد هَمَع، وعارضَه قد لَمَع، وألفاظَه قوالبَ معانيه، وقوافيه معَدَّةً لمبانيه، وتصويرَها لحال الأمة أمضى إلى القلوب من السهم، وأرقَّ في الخواطر من الوهم، وأحسن في عذوبته من الفهم، وتأملْ ما في قولها: معاناتنا داء، من مرارة الألم، وما في الداء من المعالجة للموت فرقةً غذتْ أبناء الأمّة وحلبَتْ عليهم مرضعة، وامتدّ رضاعٌ وآن فطامٌ، فجرى موضع اللبن دمٌ.

ثم ما في لفظ التمزيق من الشدَّة في معنى الفرقة، وإضافة الأمة إليها، كأنها تقول ما يجيله خاطرها، ويجيش به الصدر قتلًا وأسرا، وغلبةً وقسرا، ثم انظر إلى تفسير تلك المعاناة في الشطر الثاني؛ وكيف عادتْ فأضافت البعض إليها كما فعلتْ في أمتي، ثم تشبيه تلك الإغارة بالفيروس، وذاك – والله أعلم – لخفاء الذين أوضعوا خلالنا، وأوقدوا نار الفتنة، وأقحموا الأمةَ في لهبها المؤجّج، ثم استعملت لفظ المضارع في يمزّق ويغير؛ للدلالة على تجدُّدِ التمزُّق والإغارة، وأنت ترى حال الأمة اليوم لا تكاد تخرج من عاثورِ فتنة حتى تأخذ أختُها بحُجزتِها وتؤاخيها، وحتى كان مسارُ أمرِنا آيةً وأعجوبةً يُعتبَرُ بها ويُتَّعَظُ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى