حتى لو رقصوا ديسكو في الأقصى!
سهيل كيوان | فلسطين
الحركة الصهيونية ليست بالغباء إلى درجة أن تُعلن عن حفلة ديسكو في باحة المسجد الأقصى، ولهذا أقرَّت محكمة الصلح في القدس أنه من حق اليهود إقامة صلوات صامتة فقط، في ما يسمى “جبل الهيكل”، يعني احتلال وسيطرة على السَّكت من دون ديسكو ولا سالسا ولا هورا.
إلا أن هذه الصلوات الصامتة، تحتاج إلى شُرطة ومستعربين لحمايتها، وسوف يُرغمُ المسلمون على الخروج من هناك، كي يتيحوا لإخوانهم من الإبراهيميين أن يمارسوا حريَّة العبادة من دون عوائق، وسوف تتحول المواجهات إلى دبكات هورا، ونفحات من الإيمان في الأبواق.
سوف تصبح شرعية وجود المسلمين في المكان مشكوكًا فيها، وفي النهاية بعد بضعة أعوام أو عقود سوف يُمنع المسلمون من الدخول، إلا لمن جاء مُطَبِّعًا، وذلك حرصًا على قدسية المكان، حيث سيبنى الهيكل.
لقد اعتمدت الحركة الصهيونية منذ بداياتها سياسة الخطوة خطوة، والحُقَن المخدِّرة، لتحقيق أهدافٍ مرحليةٍ وإستراتيجيةٍ، سواءً لتخدير الضَّحية نفسها، أو لتخدير بعض الأصوات المعارضة على قلَّتها من داخل المجتمع الإسرائيلي، أو لتخدير الرأي العام الدولي إذا وجد! وفي الوقت ذاته، منح غطاء قدر الممكن للأنظمة العربية في خنوعها واستسلامها.
سياسة الخطوة خطوة، طُبِّقت مع مصر، بدأت بفك اشتباك القوات في العام 1973 ثم إلى اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، التي أَضعفت العرب، واستُغل الوضع الجديد لإخراج منظمة التَّحرير من بيروت ولبنان بالقوة، بعد مجازر وجرائم حرب.
بعدها جرى توقيع معاهدة سلام مع الأردن عام 1994. ركّزت المعاهدة على السَّلام و”محاربة الإرهاب” وتضمَّنت بندًا هامشيًا يتعلق بمكانة خاصة للأردن على الأمكنة المقدسة الإسلامية في البلدة القديمة في القدس، ورويدًا رويدًا لم يعد للأردن صلاحية سوى الصمت أو استنكار إجراءات الاحتلال.
مصادرة الأرض في كل مكان يقصدونه تبدأ بتجريف عدة دونمات، ثم تتسع لتشمل مئات وآلاف الدونمات، والمستوطنة تبدأ ببضعة أفراد، ثم بؤرة “عليها خلاف قانوني”، ثم مستوطنة صغيرة ثم بلدة. وهكذا كان الهدم نادرًا، ثم تكاثر، وصار ممارسة شبه يومية. قطع الأشجار المثمرة، وخصوصًا الزيتون كان نادرًا، ثم تطوَّر ليصبح تقليدًا سنويًا مع اقتراب موعد قطف المحصول، ثم صار يمارس معظم أيام السنة.
سياسة الخطوة، خطوة جعلت منظمة التحرير توقِّع على اتفاقية سلام عام 1993، قبل أن تحصل على أي ضمانات دولية لإقامة دولة مستقلة، حصلت فقط على وعود وتطمينات واتفاقات لم تُحترم إلا من الجانب الفلسطيني، مع كل الإجحاف الذي فيها.
الآن لا أحد يريد أن يجلس مع رئيس السلطة الفلسطينية، صارت زيارة ممثل حزب ضعيف مثل حزب ميرتس مكسبًا مُهمًا، بعدما كانت إسرائيل تتمنى اعترافًا بها من قبل العرب والفلسطينيين.
الآن صاروا يتجاهلون ذِكر اسم القضية الفلسطينية. فالقضية باتت مشكلة إنسانية فقط، يلزمها بعض ميزانيات الإغاثة. القضية ليست صلاة صامتة، أو صلاة صوتية، بل فرض السَّيطرة الكاملة على المكان، وتثبيت الواقع بما يتطابق مع الرواية الصهيونية. القضية ليست قضية طقوس دينية، بقدر ما هي قضية هيمنة سياسية.
يمكن للأردن أن يمارس فعلًا ما على الصعيد الرسمي والشعبي في هذا الموضوع، وذلك أن بيده ورقة من البند التاسع من اتفاقية وادي عربة التي تنصُّ على أن “تَحترم إسرائيل الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن”.
إلا أن إسرائيل ستعتبر الصلاة الصامتة جزءًا من حرية العبادة والتسامح التي جاءت في الاتفاقية” سيقوم الطرفان بالعمل معًا لتعزيز حوار الأديان بين الأديان التوحيدية الثلاث، بهدف العمل باتجاه تفاهم ديني والتزام أخلاقي، وحرية العبادة والتسامح والسلام”. الأهم من هذه الاتفاقية المبهمة، هو أن الهدوء على الجبهة الأردنية مكسب إستراتيجي لن تفرط إسرائيل فيه بسهولة.
من جهة أخرى، لا أحد يعوِّل على الأنظمة العربية حتى لو رقصوا سالسا وسامبا في الأقصى، فما يشغل الأنظمة أهم بكثير من الأقصى وفلسطين، ولهذا فإن المبادرة لن تكون إلا بيد الشعوب. الشعب الأردني قادر على توجيه رسالة قوية لإسرائيل وشعبها، برفض هذا القرار، من خلال مظاهرات جماهيرية، مثل تلك التي وصلت إلى المعابر الحدودية في أيار الماضي، التي انطلقت نصرة للقدس وغزة وكل فلسطين.