عيد ميلاد
هند خضر | سوريا
قلّمت أظفارها ،أسدلت ضفيرتها الطّويلة فوق كتفها،ابتهجت و أضاءت كشجرة الميلاد المبتكرة استعداداً للاحتفال بعامها الثّاني والعشرين،كانت تعتقد أنّها حين تحبّ ستكفّ الأرض عن الدّوران وستتوقّف عند حكايتها،ظنّت أنّ الّلوز سيزهر في لبّها وسيلوّن الكرز شفتيها،خطرت لها أشياءً لم تكن أبداً في الحسبان ولم يخطر في بالها أبداً أنّها ستقف يوماً ما على مفترق طرق وستتقاطع السّنين مع زوايا العمر لتجد نفسها أسيرة خيار فرضته عليها الظّروف عندما اشتمّت رائحة الخيانة تفوح حولها …
نور فتاة تشرينيّة في مقتبل العمر لم تخدش أمواج الحياة العاتية صدرها بعد ،في وجهها بريق يضيء درب كلّ من يتواجد في عالمها ،بسمتها عالم آخر لطالما أثارت إعجاب الكثيرين وأحدثت فتنة في قلوبهم من دون أن تدري ،ناداها الحبّ فلبّت النّداء مثلها مثل كلّ الفتيات عندما مرّ بجانبها أحد شباب القرية المدعوّ جمال وبنظرة واحدة منه شعرت أنّ شعوراً غريباً طغى على كلّ ذرّة في مساماتها ،إنّه الحبّ عندما يطرق باب القلب سنفتح له بالّلاشعور ..
تكرّرت لقاءاتهما مصادفةً وذات مرّة باح لها بما يكنّه من مشاعر نحوها وبأنّها الفتاة الّتي سكنت عقله ،تغلغلت في ممرّات روحه وسحرته بجمالها وطيبة قلبها ورقّة أحاسيسها و….
تلك الّلحظة كانت بالنّسبة لنور لحظة كونيّة لا يعادلها شيء في الدّنيا ،وجدت فيه كلّ ما تبحث عنه أيّة فتاة في رحلة بحثها عن شريك العمر ربّما لأنّها أحبّته أكثر ممّا ينبغي أو لأنّه بات أوكسجينها الّذي تستنشقه لتطرد الغبار من صدرها ..
في تلك المرحلة كانت نور تمتلك صديقة واحدة فقط اسمها ندى، وبما أنّها صديقتها الوحيدة فمن الطّبيعي أن تخبرها بكلّ ما يحدث معها،كانت تحكي لها باستمرار عن حبّ جمال لها وعن تفاصيل علاقتهما الفريدة،وأمّا ندى فكانت تتبدّل ملامحها وترتبك قليلاً دون سبب يُذكَر ..
عاد تشرين من جديد (الشّهر الّذي تنتهي فيه أحلام الصّيف الزّاهية بينما آمال الشّتاء الغامضة لم تولد بعد )
اتّصل جمال بنور وقال :انتظريني سآتي إليكِ في تشرين لنشعل معاً شمعة لميلادك وأخرى لخطبتنا ..
نور :بانتظار هذا اليوم منذ التقيت بك ..
وضعت سمّاعة الهاتف من يدها المرتجفة فرحاً وذهبت لإخبار ندى كي تكون معها في هذه الّليلة ،وصلت مسرعةً وصاحت :ندى ..ندى ..استعدّي يا صديقة عمري لتكوني معي في ليلة فرحي فأنا أحتاج وجودك ..
ندى : بالتّأكيد سآتي
عادت نور إلى المنزل ولكنّها للمرّة الأولى الّتي تشعر فيها بعدم ارتياح حِيال رفيقتها فتعابير وجهها لم تُنذر بالخير ولكنّها رفضت تصديق الفكرة و تابعت التّحضيرات ليوم الخطبة منتظرةً إيّاه بفارغ الصّبر ..
مرّت أيّام قليلة وجاء يوم الميلاد ،سرّحت شعرها الطّويل ،تزيّنت بأبهى الحُلل ،لبست ثوباً يليق بفرحها وانتظرت قدوم جمال ..
رنّ هاتفها الشّقي ركضت نحوه قائلةً :إنّه جمال ورفعت السّمّاعة ..
نور :آلو
صوت غريب :آلو ..نور ؟
نور :نعم ..مَن يتكلّم ؟
الصّوت :لايهمّ من أكون ..أريد إبلاغك بأنٍ من تنتظريه لن يأتي ..
نور :ماذا تقول ومَن أنت ؟
الصّوت :جمال في هذه الأثناء يعلن خطبته من تلك الّتي أوهمتكِ بأنّها صديقة مخلصة ،كلاهما وضع قناعاً أخفى تحته معالم وجهه الحقيقيّة وأنتِ فتاة معجونة بالطّيبة ولم تعرفي الخبث يوماً ،أعرف أنّ وقع الخبر قاسٍ جداً عليكِ ولكن إيّاكِ أن تحزني أو تنهاري ،ابدأي من جديد ،لا تتخلّي عن صفاتك النّبيلة ولكن كوني حذرة أكثر من الآن فصاعداً ..
أسقطت نور سمّاعة الهاتف ، وضعت يدها على عينيها الغارقتين بدموع الخذلان و تحسّست ظهرها فإذا بطعنة قاتلة شطرته إلى نصفين .