منظومة الخليل لعلم العروض الرقمي (1)

الباحث المهندس خشان محمد خشان / مؤسس علم العروض الرقمي

ملخص

يقول الأستاذ ميشيل أديب في مجلة الموقف الادبي العدد 373 أيار 2002:” وأكثر ما يعيب  كتب العروض القديمة والحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم يكشف الخليل عن أسرارها، لم تحاول تحليل العملية الذهنية التي مكَّنت الخليل من بلوغ هذه القمَّة الرياضية التي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ .” غاية هذا الموضوع إثبات أن الذائقة العربية في مجال وزن الشعر عبارة عن برنامج رياضي هندسي بسيط شامل أودعه الخالق سبحانه في الوجدان العربي، فصار من فطرته كما أن الطيران من فطرة الطائر، ويمارسه دون وعي على قوانين الطيران. هكذا استشعر العربي إيقاع شعره قبل وجود العروض ويستشعره  الطفل في تمايله مع  هدهدة أمه  كإحساسه بالسخونة والبرودة. ولا يزال كثير من العرب يستشعرونه  بفطرتهم ودون معرفة بالعروض.

 

تتداخل في هذا الموضوع  كل من الذائقة العربية وعبقرية الخليل وعلم العروض وسيتم تناولها جميعا من خلال ساعة البحور التي تجسد  البنيان الرياضي الهندسي الشامل لإيقاع الشعر العربي بكل أشكاله. وهي بذلك أول دراسة عربية تنطلق من هذا المفهوم، وبعد الإسهاب في شرحها سأستعرض بعض آثارها في تقييم معطيات عدة متعلقة بالعروض.

 

تمهيد

يحسن أن أضع ما سأتناوله حول العروض في سياقه من النظرة العامة للمدركات الإنسانية سواء تعلق الأمر بالعلم المادي أو الدين أو السياسة أو الاقتصاد ، ذلك أن  منظومة الخلق ذات كينونة  واحدة يتناولها  الفكر البشري المتجانس معها. ومظهر ذلك التجانس في هذا الإطار أن للمعرفة  ثلاث مراتب في كل أمر:

  • المبدأ وهو النظرة الفكرية التجريدية الشاملة لأي شأن وينبثق منها ما يصورها في عالم الواقع وهو المنهج. ويعبر عنه بجملة مفيدة لا أكثر.
  • المنهج وهو ما يجسد شمولية تجريد  المبدأ في الواقع ، ويتناول الخطوط العريضة التي تنقل  تجليات المبدأ في الواقع.  ويكون  قصيرا وعلى الأرجح أنه يمكن وصفه في بضعة  سطور. وربما أمكن تمثيله  على شكل رسم أو جدول ذي طبيعة هندسية رياضية.
  • القواعد الجزئية : وهي التطبيقات المنبثقة عن شمولية المنهج للحالات المختلفة في الواقع.

الفكر هو الرابط بين هذه المراتب وهو الذي يحفظ تسلسلها. ومن شأن غيابه أو تغييبه  أن يضطرب التسلسل وتختلط الأمور ويقود ذلك إلى نتائج  ذات اثر سلبي.

يبدأ  طالب الطب تعلم التشريح  في المتاح مما لا ينجم  عنه كبير ضرر. ولا ينتقل إلى  التشريح البشري حتى يتقن  ذلك فيما سواه مما يتجانس معه.  إن من يتناول العروض العربي واعيا على مراحله  الثلاث جدير بأن يكون في نظرته إلى سواها من سائر الأمور  موافقا للحق أو مقتربا منه. ومن أتقن المرحلة الثالثة  وحدها فإنما تعلم ما يلزمه لضبط وزن الشعر،  وفاته الأهم والأجمل  وهو رسالة الخليل الفكرية  في سائر الأمر.

جل العروضيين يتعاملون مع المرحلة الثالثة ولدى فئة منهم إحساس غامض بوجود منهج ما،  ذكره بعضهم دون أن يخصصه، وبعضهم جهل وجود المنهج فراح يفبرك  ما يظنه بحورا جديدة  قليلة  أو كثيرة [1].  وقلةٌ جلهم من الغربيين راحت تبحث عن منهج   شامل للعروض العربي مع جهل بالمبدأ فلم يتوافق مع منهج الخليل  منهم  إلا جوان مالينج  دون تغطيته  بشكل  كامل[2].

الموضوع كاملا على الرابط http://www.jalt.net/jaltusr/CurrJournals/KhashanJalt141.pdfwww.jalt.netjalt.net

ولأهمية الموضوع  ولأنه في نظري يشكل رسالة الخليل الفكرية فسأمثل له هنا بثلاثة أمثلة لبيان موقع انسجام  منهج الخليل في  العروض العربي مع الأسس السليمة للمعرفة العلمية  الإنسانية:

الكيمياء

المبدأ

ثمة نظام يسود عناصر الكون ويحدد تصنيفها وخصائصها طبقا للوزن والعدد الذريين

المنهج

الجدول الدوري

القواعد التطبيقية

كل ما يتعلق بالكيمياء

إضاءة [3]

Meneleeve: “I saw in a dream a table where all elements fell into place as required. Awakening, I immediately wrote it down on a piece of paper, only in one place did a correction later seem necessary.

رأيت في المنام جدولا تتموضع فيه العناصر كما ينبغي. وفور استيقاظي دونته على وريقة ولم ضرورة لتعديله إلا في موقع واحد.

الإسلام

المبدأ

لا إله إلا الله محمد رسول الله

 

المنهج

غاية الإسلام هداية البشر إلى الحق  وضمان العدل: ” قل  أمر ربي بالقسط “[4] والحرية : ” إن الحكم إلا لله ” فلا أحد يتسلط على سواه، ومع العدل والحرية  للجميع في  حدود الشريعة تتحقق المساواة. الأمر الذي  يحفظ لكل إنسان[5] :” 1- معتقده  2- نفسه  3- عقله 4-نسله 5- ماله ”  ومن أخذ هذه الخمس دون ربطها بإطارها المتقدم  فقد أخل بمنهجية  الإسلام. وطمس أساس منهجه  بما يؤدي له ذلك من نظريات تستعمل عبارات متناقضة ذاتيا  بشكل ينفي أصل وجودها وتناقض مبدأ الإسلام بالحديث  عن  (طاعة المستبد  المتحكم)  أو (الدولة  المسلمة الظالمة)

القواعد التطبيقية

أحكام الشريعة 

إضاءة [6]

من القرآن الكريم ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”

العروض

المبدأ

الذائقة العربية بنيان رياضي هندسي مطرد لا مجال فيه للتغيير أو التطوير.

المنهج

ساعة البحور بما تتضمنه وما يتصل بها من قواعد عامة.

القواعد التطبيقية

أحكام العروض التفعيلي ، وممن أخذ التفاعيل دون ربطها بالمنهج عروضيون وشعراء ظنوا أنها تقبل أن تنتظم لتأتي ببحور لا عهد للعرب بها أسموها بحورا جديدة. ولو علموا ماهية  ما تقوم عليه من مبدإ ومنهج  لعلموا أنهم يصنعو ذائقة جديدة  لأمة  من غير العرب، أمة ذات ذائقة متفلتة لا نظام لها.

إضاءة[7]

يقول الخليل بن أحمد : ” إن العرب نطقت على سجيتها وطباعها. وعرفت مواقع كلامها، وقام في عقولها علله، وإن لم ينقل ذكر عنها. واعتللت أنا بما عندي انه علة لما عللته منه، فإن أكن أصبت العلة فهو الذي التمستُ، وإن تكن هناك علة له، فمثلي في ذلك مثل رجل حكيم دخل دارا محكمة البناء، عجيبة النظم والأقسام، وقد صحت عنده حكمة بانيها، بالخبر الصادق أو بالبراهين الواضحة والحجج اللائحة، فكلما وقف هذا الرجل في الدار على شيء منها قال: إنما فعل هذا هكذا لعلة كذا وكذا، ولسبب كذا كذا سنحت له بباله محتملة لذلك، فجائز أن يكون الحكيم الباني للدار فعل ذلك للعلة التي ذكرها هذا الذي دخل الدار، وجائز أن يكون فعله لغير تلك العلة. إلا أن ذلك مما ذكره هذا الرجل محتمل أن يكون علة لذلك، فإن سنح لغيري علة لما عللته… هي أليق مما ذكرته بالمعلول فليأت بها.” ما أشد تشابه إضاءتي ماندلييف والخليل. ولا تخلو  المقارنة بين لا وعي ماندلييف  ووعي الخليل من مفارقة .

 

المبدأ  الواحد له منهج واحد  ولكن يمكن أن تتعدد وسائل شرح ذلك المنهج  وهو أمر لا يمس المضمون  فإن  تطرق الاختلاف إلى المضمون كان المبدأ حكما.

الذاتي والموضوعي من أهم المواضيع التي يقوم عليها العروض الرقمي منطلقا من منهج الخليل.

 

العقل الإنساني لا يقبل إلا مبدأ واحدا  في الشأن الواحد يعتبره صحيحا. ولهذا المبدإ الواحد منهج واحد يمثل امتداده في الواقع.

عندما يضع الخليل مئات المصطلحات والقواعد التي تشمل  كل جزئية في العروض العربي دون وجود تناقض بينها فذلك يعني انها تعبر عن توصيف أجزاء من  بناء متكامل  في ذهنه. مكنني استعمال الأرقام في الترميز العروضي من كشف معالم كينونة ذلك البناء ذي الطبيعة الهندسية الرياضية الشاملة المطردة  لوزن الشعر العربي. وما البحور والتفاعيل إلا تجسيد تجزيئيٌّ  تطبيقي لذلك البناء، وقد صيغت مواصفاتها بحيث تضع كل تفعيلة في مكانها أو أمكنتها من ذلك البناء، لا تتجاوز ما خصص لها.

الموضوع كاملا على الرابط

 

[1] https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/zahrah-arood

 

[2] https://sites.google.com/site/alarood/joan-maling-theory

 

[3] https://en.wikipedia.org/wiki/Dmitri_Mendeleev

 

[4]  الأعراف – 29

[5]   https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%82%D8%A7%D8%B5%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9

 

[6] الحجرات 13

[7] كتاب ( العروض والإيقاع في النظريات الحديثة للشعر العربي)  تأليف د. ربيعة الكعبي  ( ص- 232 ) نقلا عن معجم الأدباء لياقوت 6/ 74

 

مصدر  المقال:  المجلة الإلكترونية الدولية (مجلة تقاليد اللغويات العربية )

Journal of Arabic Linguistics Tradition . November 2016 . Volume 14 

http://www.jalt.net

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى